يوم حاول عبد الكريم قاسم احتلال الكويت قبل صدام بـ 29 سنة

سامي مروان مبيّض – مجلة المجلة (لندن، 20 آب 2020)

حشود عراقية على حدود الكويت. تصريحات نارية في بغداد عن ضرورة «إعادة الوليد إلى حضن أمّه.» قلق في الأوساط الدولية، واجتماعات عاجلة في مقر جامعة الدول العربية، مع ازدحام منطقة الخليج بقوات عربية ودولية لأجل حماية الكويت والمحافظة على استقلالها من مطامع العراق ورئيسه.

من يقرأ هذه السطور قد يظنها من صيف عام 1990 اللاهب، يوم قرر الرئيس العراقي الراحل صدام حسين غزو الكويت، فاتحاً أبواب جهنّم أمام بلاده التي لا تزال – على الرغم من مرور ثلاثة عقود ونيف – تعاني من تداعيات هذا القرار التاريخي الخاطئ. ولكن في الحقيقة، حدث كل ذلك من قبل، بشكل مختلف وظروف مختلفة، يوم قرر رئيس الوزراء العراقي عبد الكريم قاسم غزو الكويت أيضاً وضمها، قبل 29 سنة من قرار صدام حسين.

وقد جاء قرار قاسم – الخاطئ أيضا وغير المدروس – بناء على حجج عراقية قديمة وواهية، بأن الكويت كانت حتى سنة 1914 قضاء تابعا لولاية البصرة في زمن العثمانيين، وأن عراقيين قبلوا بحدود الكويت “على مضض،” ولكنهم لم يحركوا ساكناً في هذا المجال خوفاً من أي ردة فعل بريطانية.

واقع الحال، أن وضع المنطقة تغير يوم 19 يونيو/حزيران 1961، يوم أعلن أمير الكويت الشيخ عبد الله السالم الصباح استقلال بلاده بعد إلغاء اتفاقية الحماية مع بريطانيا العائدة إلى سنة 1899. كان عبد الكريم قاسم حديث العهد في بغداد يومها، بعد أن وصل إلى السلطة على أشلاء أفراد الأسرة الملكية العراقية الذين قتلوا بدم بارد يوم 14 يوليو/تموز 1958. وعلى الرغم من تأثره الكبير بالرئيس المصري جمال عبد الناصر، إلا أنه كان يعد نفسه منافسا قويا له على زعامة الأمة العربية، وكان عبد الناصر في قمته يومها، بعد توحيد بلاده مع سوريا في الجمهورية العربية المتحدة. ظنّ عبد الكريم قاسم أنه يستحق أن يحكم الكويت تماماً كما حكم عبد الناصر سوريا.

أبرق قاسم إلى أمير الكويت مهنئا بإلغاء الاتفاقية مع بريطانيا ووصفها بالمزورة و “غير الشرعية،” دون التطرق إلى استقلال الكويت. وفي 25 يونيو/حزيران 1961، عقد مؤتمراً صحافياً في مقر وزارة الدفاع في بغداد، طالب فيه بـ “ضمّ الكويت رسمياً إلى العراق،” مع تعيين أميرها برتبة “قائمقام” تابع لمحافظة البصرة. أي إنه أعاد عقارب الساعة إلى الوراء، عندما كان العراق مقسّماً إلى ثلاث ولايات (بغداد والموصل والبصرة). وكانت الكويت قضاءً تابعاً لولاية البصرة.

وضعت الفرقة الأولى في الجيش العراقي، المسؤولة عن الحدود مع الكويت، في حالة تأهب بانتظار أمر “الزحف والاحتلال،” وتحرك اللواء 14 مشاة من محافظة الناصرية باتجاه الحدود ومعه كتيبة دبابات من اللواء المدرع الرابع في بغداد. رفض قائد الفرقة اللواء الركن حميد الحصونة فكرة الغزو العسكري، كما رفضها بشدة وزير الخارجية العراقي هاشم جواد الذي تحدث مطولاً مع قاسم في محاولة لإقناعه باتباع الحل السياسي والتقدم بشكوى قانونية أمام محكمة العدل الدولية.

لا نعرف من أقنع عبد الكريم قاسم بمغامرته، وقد يكون المحرك الرئيس تقدم الكويت بطلب انضمام إلى جامعة الدول العربية في 23 يونيو/حزيران 1961، أي قبل إعلان قرار الضمّ بيومين. وعندما قُبل طلب الكويت جنّ جنون الزعيم العراقي وأمر بقطع علاقة بلاده الدبلوماسية مع كل الدول العربية التي أثنت عليه واعترفت باستقلال الكويت، ومنها لبنان وتونس والأردن. وقد استثمر أمير الكويت هذا الإجماع العربي وطالب بإرسال قوات عربية لحماية بلاده، فكانت السعودية أول المستجيبين، وجاء على لسان الملك الراحل سعود بن عبد العزيز آل سعود: “نحن معكم في السراء والضراء، وسنكون أوفياء فيما تعاهدنا عليه.” وفي 1 يوليو/تموز 1961، وصلت قوة عسكرية سعودية إلى الكويت مؤلفة من 100 مظلي و1200 جندي، تبعتها قوات من مصر والأردن والسودان، كما أرسلت بريطانيا تعزيزات عسكرية وصلت إلى خمسة آلاف جندي لحماية الكويت من عبد الكريم قاسم.

كان الجميع في عجلة من أمرهم، فلو نفذ عبد الكريم قاسم تهديداته، فإن جيشه البالغ 60 ألف جندي يمكن أن يجتاح الدولة الصغيرة، التي يتراوح عدد جنودها بين ألفين وثلاثة آلاف جندي. ولمواجهة ما بدا وكأنه حرب شاملة، بدأ عبد الكريم قاسم في التراجع ببطء، حفاظا على ماء وجهه. و”جمّد” قرار الاجتياح، قبل أن يتخلى عنه تماماً، وقال يوم 27 يناير/كانون الثاني 1963:
“لقد رفضت أن أهاجم الكويت حتى لا أريق الدماء العربية ويشتبك إخواننا العرب في حرب لا يفيد منها إلا الاستعمار.”  لم يُقنع هذا الكلام أحدا من الزعماء العرب، وفي مقدمتهم الملك سعود، وبقيت القوات العربية موجودة في الكويت حتى 20 فبراير/شباط 1963، أي إنها لم تنسحب إلا بعد الإطاحة بعبد الكريم قاسم ومقتله في التاسع من الشهر نفسه.

يبقى السؤال: أين كان صدام حسين يومها، ولماذا لم يتعلّم شيئا من تجربة عبد الكريم قاسم الفاشلة؟ العلاقة بين قاسم  والبعثيين كانت جيدة في بدايتها ولكنها سرعان ما تدهورت بسبب تنافسه مع عبد الناصر وإقصائهم عن الحكم، ففكروا جدياً في التخلّص منه، وفي 7 أكتوبر/تشرين الأول 1959، جرت محاولة اغتيال فاشلة في شارع الرشيد وسط بغداد، قتل على أثرها سائق قاسم وأصيب هو في كتفه وذراعه. فرّ صدام – أحد أبرز المشاركين في محاولة الاغتيال – إلى سوريا أولا ثم إلى مصر، وفيها بقي حتى سنة 1963، حيث درس الحقوق في جامعة القاهرة. ويبدو أنه كان إما مشغولاً في دروسه يوم حصلت المواجهة مع الكويت، وإما أن غروره الرهيب قد أوصله إلى حد القول: “أنا أذكى من عبد الكريم قاسم ويمكنني تحقيق ما فشل هو في فعله.”

0 ردود

اترك رداً

تريد المشاركة في هذا النقاش
شارك إن أردت
Feel free to contribute!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *