من علّمني حرفاً

 

سامي مروان مبيّض (دمشق، 30 تشرين الأول 2022)

 

في سنة 1968، لوحظ تغيّب الكثير من الوزراء السوريّين عن جلسة الحكومة الأسبوعيّة، وعندما استفسر رئيسهم عن السبب، قيل له إنّهم اعتذروا لأجل حضور مسلسل حمّام الهنا، الذي كان عرضه الأوّل يتعارض مع جلسات مجلس الوزراء. كان من بطولة الثنائي الكوميديّ الشهير “دريد ونهاد” وإخراج المخرج العراقي الكبير فيصل الياسري.

وكانت النتيجة تأجيل موعد انعقاد مجلس الوزراء، لا موعد عرض المسلسل، الذي غاب الياسري عن حلقته الأخيرة، وقام بإخراجها المخرج السوري الراحل خلدون المالح.

فيصل الياسر عند عرض مسلسل حمام الهنا سنة 1968.

فيصل الياسر عند عرض مسلسل حمام الهنا سنة 1968.

والياسري من مواليد عام 1933، عمل في الصحافة قبل امتهانه الإخراج في ألمانيا بداية، ومن ثمّ في التلفزيون العراقيّ قبل الانتقال إلى التلفزيون السوري بدمشق في منتصف الستينيات. قبل يومين، توفّي فيصل الياسري في العاصمة الأردنيّة عمّان، ولم تأتِ إلّا قلّة من المواقع السوريّة على ذكره، عِلماً أنّه صاحب حمّام الهنا، أحد أشهر الأعمال الكوميديّة في تاريخ الدراما السوريّة. ومن نعاه منهم وقع في خطأ شائع، فقال إنّه كان قد أخرج أحد أجزاء مسلسل مرايا الشهير، وهو كلام غير صحيح.

كان لمرايا ياسر العظمة مخرج عراقي بالفعل، وهو عدنان إبراهيم (مرايا 95 و96)، وليس فيصل الياسري، ولكن في جعبة الياسري عمل عربيّ خالد، لا يقلّ أهمّيّة عن حمّام الهنا و”مرايا،” وهو افتح يا سمسم، الذي حقّق نجاحاً مبهراً عند عرضه للمرّة الأولى على الشاشات العربيّة سنة 1979، بمشاركة عدد من الفنّانين السوريّين، كان في مقدّمتهم الراحل توفيق العشّا. استطاع هذا البرنامج الفريد، المأخوذ عن برنامج أمريكيّ حمل عنوان شارع سمسم، استطاع الوصول إلى ثلاثة أجيال من الأطفال العرب بطريقة علميّة هادفة، عبر شخصيّات خالدة حفرت في الذاكرة العربيّة الجمعيّة، مثل “نعمان” وأنيس وبدر” و”الضفدع كامل” وغيرهم.

أجدادنا قالوا: “من علّمني حرفاً كنت له عبداً،” وكان الياسري معلّماً بحقّ، في الإخراج والإبداع وفي النحو والصرف والإعراب، عبر “افتح يا سمسم.”

ومن دمشق نقول: الرحمة لروح المبدع الكبير، الذي أضحك أجيالاً من العرب، قبل أن يثقّفهم ويعلّمهم. له الرحمة، وللعراق العظيم طول البقاء من بعده.

***

0 ردود

اترك رداً

تريد المشاركة في هذا النقاش
شارك إن أردت
Feel free to contribute!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *