هل هذا فعلاً هو حسن الخرّاط؟

 

سامي مروان مبيّض – رصيف 22 (بيروت، 15 تموز 2020)

من يعرف تاريخ سورية الحديث يعرف هذه الصورة جيداً، فهي للمجاهد حسن الخرّاط، أحد أبطال الثورة السورية الكبرى. وقد استُخدمت لرسم عدد كبير من شخصيات الأعمال الشامية، أبرزها “العقيد أبو شهاب” في مسلسل باب الحارة. لا يوجد أي صورة أخرى للرجل، ووحدها هذه الصورة موجودة في الكتب المدرسية السورية وفي سجلات ثورة الغوطة، ولكن بالعودة إلى تلك السجلات والكتب، نطرح سؤالاً دون امتلاك إجابة قطعية عليه… هل هذا هو فعلاً حسن الخرّاط؟

كتاب نادر عن الخرّاط

قاد حسن الخرّاط مجموعة من الثوار إلى مدينة دمشق، يوم 18 تشرين الأول 1925، بهدف اعتقال المندوب السامي الفرنسي موريس سراي، في قصر العظم، واستشهد بعد ذلك بأشهر يوم 25 كانون الأول عام 1925. ظهرت صورته لأول مرة سنة 1961، عندما قام بنشرها الدكتور محي الدين السفرجلاني في كتابه الموسوعي عن الثورة السورية، أي بعد 36 سنة من استشهاد الخرّاط، ولم يشكك أحد بمصداقيتها يومئذ، علماً أن الكثير من معاصري الخرّاط كانوا على قيد الحياة.

ولكننا وجدنا كتاباً صغيراً عن حسن الخرّاط، وضعه كاتب شاب يُدعى محمد أنور المرابط سنة 1936، أي بعد 11 سنة فقط من استشهاد الخرّاط. لا يحتوي هذا الكتاب النادر على هذه الصورة المعروفة، بل على رسم لحسن الخرّاط شاهراً سيفه وراكباً على جواده، وهي أقرب إلى الخرّاط من حيث السن، لأنه كان قد بلغ الرابعة والستين من عمره يوم استشهاده سنة 1925. ولو كانت الصورة المعروفة متوفرة يومها، لكان المرابط وضعها في كتابه المخصص عن حسن الخرّاط، والمُهدى إلى رئيس وزراء سورية في حينها، جميل مردم بك.

هل هذه هي صورة الحارس الشاغوري البسيط؟

في كتاب موسوعي آخر عن الثورة السورية للصحفي أمين سعيد، الصادر بثلاثة أجزاء سنة 1934، لا وجود لهذه الصورة بالرغم من وجود فصل كامل عن حسن الخرّاط، وصور لكثير من مجاهدين أقل شأناً منه. أما الرجل الظاهر في الصورة المتعارف عليها، فهو شاب “قبضاي” في العقد الثالث من العمر.

الخرّاط ولد عام 1861، أي لو كانت هذه الصورة فعلاً له، فمن المفترض أن تكون قد أُخذت في ثمانينيات أو تسعينيات القرن التاسع عشر، وهذا مستبعد بالنسبة لحارس ليلي في بساتين الشاغور، عُرف ببساطته ولم يكن له أي نشاط ملحوظ قبل اندلاع الثورة. كان تصوير الأشخاص نادراً جداً في دمشق في ثمانينيات القرن التاسع عشر، إلا للرسميين والمسؤولين الكبار أو في الاستوديوهات الحديثة، حيث كان بعض أرباب الأسر يذهبون لأخذ صور تذكارية لهم مع أولادهم.

اختلاف شاسع بين الشكل والوصف

الصور التاريخية مصادر توثيقية هامة، واستسهال تداولها دون التحقق من مصداقيتها، كصورة حسن الخرّاط، هو تزييف للتاريخ وشخوصه. نحن لا نجزم أن هذا الرجل “القبضاي” هو ليس حسن الخرّاط، ولكننا نتساءل فقط عن تطابق الشكل مع وصفه يوم استشهاده.

في مذكراته يصف الدكتور عبد الرحمن الشهبندر، الخرّاط، بعد لقائه به في أيلول 1925، قائلاً: “هو رجل ربعة بوجه مستطيل وجبهة بارزة، وعينين شهلاوين تشتعلان ذكاء، ورأس أصلع، وقد خط الشيب شاربيه ورأسه… وهو يعتم بالعباءة الأغباني، ويلبس القنباز، وفوقه العباءة”.

أما صاحب الصورة المشهورة فهو لا يرتدي العباءة بل الشروال، ولا يبدو ربعة بل ممشوق القامة.

الموضوع برمته قد يبدو ترفاً بالنسبة لكثير من الناس، ولكنه يستوجب التوقف بسبب حالة الفلتان التي تعمّ وسائل التواصل الاجتماعي اليوم، والتي فتحت الباب واسعاً أمام كثير من الأخطاء في تدوين ونشر الصور التاريخية، فنجد كثيراً من الصور يتم تداولها على أنها لأشخاص معينين، علماً أن لا علاقة لهم بها بالمطلق، ولكن انتشارها الواسع يحولها مع مرور الأيام إلى حقيقة دامغة.

***

 

 

 

 

0 ردود

اترك رداً

تريد المشاركة في هذا النقاش
شارك إن أردت
Feel free to contribute!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *