نظرية المؤامرة فى الغرب بين شكسبير وأرمسترونج

سامي مروان مبيّض (الأهرام، 9 آب 2023)

العرب بالمُجمل يحبّون نظرية المؤامرة، وكثيراً ما يستشهدون بها، ويعتمدون عليها للهرب من تعثرهم. فهى تبرّئ العرب من كل مسئولية، وتسوّغ عدم نجاحهم فى تحقيق مشروعاتهم الكبرى من باب: نحن عملنا ما علينا، ولكننا لم ننجح بسبب تآمر الغرب عليناً.

دوماً يكون الطرف الآخر هو المسئول عن التعثر، وليس العرب أنفسهم. هذا لا ينفى وجود تآمر ضدهم منذ زمن بعيد، فالمؤامرة تبقى خطّة خبيثة، ينسجها القوي ضد الضعيف لنيل المكاسب فى الحرب والسلم، ولكن هل توجد نظرية مؤامرة فى الغرب؟

كذبة شكسبير؟

فى نهايات القرن التاسع عشر، ظهرت نظرية المؤامرة فى الأوساط الأدبية الغربية حول أعمال الكاتب المسرحي البريطاني وليام شكسبير، الذى طالما وصِف بأنه أعظم كاتب عرفه الأدب العالمي. قال بعضهم  إنه لم يكتب مسرحياته بنفسه، وفى النصف الأول من القرن العشرين، تبنى هذه النظرية بعض الشخصيات العالمية، مثل الممثل البريطاني الشهير شارلى شابلن، والروائي الأمريكيّ مارك توين الذى قال إن مؤلف مسرحيات شكسبير هو اللورد فرانسيس بيكون، مدَّعى عام إنكلترا فى عهد الملك جيمس الأول.

وفى سنة 1920 ظهر كتاب Shakespeare Identified للمدرّس البريطانيّ توماس لوني، يقول فيه بثقة إن وليام شكسبير كان مجرّد واجهة لمحامٍ أرستقراطي يُدعى إدوارد دى فير Edward de Vere، قرّر عدم وضع اسمه على هذه الأعمال نظراً لإشكاليتها، وطلب إلى الممثل شكسبير أن يكون مؤلفها الشبح Ghost Writer. والدليل، بحسب قوله، هو أن شكسبير كان متواضعاً من حيث النشأة والتعليم، أى أنه كان يجهل حياة القصور، ولم يسافر أبعد من لندن فى حياته، بل عاش معظم حياته فى بلدة Stratford upon Avon الريفية، وفيها توفى سنة 1616.

أصحاب هذه النظرية يقولون إن هذه البلدة المتطرفة لم يكن فيها إلا مسالخ ودكاكين صغيرة، ولا وجود  لأي مكتبة أو مدرسة. أقرب مدرسة كانت بعيدة عن البلدة، وسجلاتها لم تعد موجودة، فى دليل إضافي للمشككين أن شكسبير لم يتلق أي تعليم أساسي، ويقولون أيضاً إن بناته لم يتعلّمن مشيرين إلى أوراقهن القانونية التى كانت ممهورة إما بإشارة أو بتوقيع مرسوم، وهو ما يشير إلى أنهن لم يكن يجدن الكتابة.

شكسبير عاش ثرياً، فبالإضافة إلى التمثيل والكتابة كان يُقرض الناس بفائدة عالية، وهو شريك فى فرقة مسرحية، وصالة عرض ناجحة. وفى وصيته إشارة إلى منزله الكبير، ولكن لا شيء عن مكتبته، أو حقوق أعماله المنشورة، أو الثمانى عشرة مسرحية التى تركها قبل أن ترى النور. يتساءل المشككون كيف لرجل حقّق كل هذه الشهرة من الكتابة ألا يذكر أعماله ومسرحياته فى وصيته؟

هذا الاتهام باطل، وفقاً لكل من دَرَس شكسبير بعمق من العرب والأجانب. متى كانت الأسفار وحدها تُنتج أعمالاً أدبية عظيمة؟ ومتى كانت حياة القصور وحدها كفيلة بالإبداع الأدبي؟ هؤلاء نسوا أن وليام شكسبير كان قارئاً نهماً منذ نعومة أظفاره، وهذا ما يُعطيه مخزوناً للإبداع وللخيال، يفوق أي أسفار أو شهادات جامعية. وأخيراً، المتهم الأول بأعمال شكسبير، إدوارد دى فير، توفى سنة 1604، أى قبل أن تظهر بعض أشهر المسرحيات الشكسبيربة، مثل الملك لير وماكبيث.

كذبة أرمسترونج؟

ولكن تبقى هذه الفرضية – على علّاتها وضعفها – محصورة فى الأوساط الأدبية، ولم تدخل فى السياسة والتوازنات الدولية كما فعلت النظرية القائلة: إن رائد الفضاء الأمريكى نيل أرمسترونج لم يخطُ على القمر فى 20 تموز سنة 1969، وإن هذه الصور كانت مفبركة من قبل المخابرات الأمريكية للنيل من سمعة خصومها فى الاتحاد السوفيتي فى أثناء الحرب الباردة.

بدأت هذه النظرية تطفو على السطح مع صدور كتاب We Never Went to  the Moon سنة 1976، للضابط فى البحرية الأمريكية بل كايسنج، ومن يومها وهى تكبر ككرة الثلج. أنصارها يشيرون إلى خيالات أرمسترونج غير المُقنعة وغير المتجانسة على سطح القمر، وإلى صورة العلم الأمريكي الذى يرفرف فى سمائه، مذكّرين بأنه لا يوجد هواء على سطح القمر يسمح بتحرك العلم بهذا الشكل الانسيابي. ومنذ سنوات ظهر مشهد مصور لأرمسترونج وهو فى مواجهة كلامية مع المخرج بيرت سيبرل، الذى تحداه بأن يقسم على الإنجيل ليثبت أنه مشى فعلاً على القمر. رفض أرمسترونج بشدة، وقال: “من معرفتى بك فإن هذا الإنجيل مزوّر!”

وهناك من يسأل: كيف لم يتمكن أي شخص من المشى على القمر من يومها؟ ليأتى الرد من الأمريكيين المدافعين عن أرمسترونج، وقولهم إن الولايات المتحدة حققت هدفها العلمي والمعنوي والسياسي سنة 1969، وإن أولوياتها تغيرت بعد انهيار الاتحاد السوفيتى وهزيمته، نظراً للتكلفة العالية جداً لتنفيذ عملية مشابهة فى الوقت الراهن. أنا شخصياً لا أشكّك بكلتا الروايتين، ولكن هناك كثيرين غيرى يشككون، ويدافعون عن نظرية المؤامرة ما يجعلهم فى مرتبة متساوية مع العرب، علماء كانوا ومفكرين أم بسطاء فى شوارع القاهرة ودمشق وبغداد. ويبقى العقل البشريّ هو الحكم…فهو متطور جداً، وقادر على مناقشة أي فكرة لتبنّيها أو نقدها بناء على البراهين والأدلة العلميّة.

***

0 ردود

اترك رداً

تريد المشاركة في هذا النقاش
شارك إن أردت
Feel free to contribute!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *