كيف دخل ميكي بيوت دمشق والقاهرة؟

 

سامي مروان مبيّض – صحبفة الأهرام (القاهرة، 2 أيار 2022)

 

في أربعينيات القرن الماضي، حطّ في مطار دمشق رسّام إيطالي مُقيم في مصر، اسمه ماريو موريلي دي بوبولو. كان ماريو قد عاش سنوات شبابه المبكر متنقلاً بين مصر وإيطاليا، وقد استقر نهائياً في القاهرة سنة 1947. جاء إلى سورية بحثاً عن فرص عمل، سورية التي كانت قد نالت حديثاً استقلالها عن الانتداب الفرنسي، سورية التي كانت فيها حياة صحفية نشطة، موزعة بين المجلّات الأسبوعية والشهرية، والجرائد اليومية، الصباحية منها والمسائية.

كان موريلي يُجيد رسم شخصية ميكي ماوس الشهيرة التي ظهرت في أعمال والت ديزني العالمية منذ عام 1928. وقد دقّ باب الناشرين السوريين، قائلاً إنه قادر على رسم ميكي في صحفهم ومجلاتهم. لم تكن شركة ديزني تبدي اهتماماً كبيراً يومها بموضوع الحقوق، وكان هدفها التوسع والانتشار خارج الولايات المتحدة الأمريكية. وكانت قد وضعت فيلماً بعنوان «Mickey in Arabia» عُرض في أمريكا سنة 1932، ولكن صالات السينما العربية لم تقتنه. كانت تُفضل عرض أفلام شارلي شابلن الكوميدية الصامتة، أو أعمال طرزان فتى الأدغال، وأفلام الكاوبوي الأمريكية الرائجة يومئذ، المشهورة بالمعارك التي كانت تروق للمشاهد العربي.

لا نعرف من قابل موريلي من الناشرين السوريين، والمنطق يقول إنه لا بد أن يكون قد التقى حبيب كحّالة، صاحب مجلّة المضحك المبكي التي اشتهرت برسم الكاريكاتير السياسي. ولكن المضحك المبكي كانت مفرطة في محليتها، تُجيد رسم الساسة السوريين فقط، وليس فيها مساحة لأي رسومات عالمية. كما أنها كانت موجهة للكبار وليس للأطفال. ولم يكن في الصحف السورية يومها زاوية للرسومات الكرتونية، ولا مجلّة مخصصة للأطفال بدمشق.

مهمة موريلي في سورية باءت بالفشل، فعاد إلى مصر التي كانت قد بدأت بتعريب الأعمال الكرتونية العالمية، مثل تان تان وسوبرمان وميكي. صار موريلي يرسم ميكي لأغراض دعائية مصرية، تارة مع أهرامات الجيزة مرتدياً الطربوش، أو حاملاً سلاحه لنصرة فلسطين. انضم موريلي إلى أسرة مجلّة سندباد سنة 1952، حيث ابتكر شخصية زوزو الكرتونية. كان زوزو يتكلم باللغة العربية الفصحى وليس باللهجة المصرية، ما سهّل من انتشاره في كل البلدان العربية، ومنها سورية.

ولعل أشهر شخصية كرتونية غزت عالم الأطفال في تلك المرحلة كان الصحفي تان تان، الذي تُرجمت مغامراته إلى اللغة العربية في مصر قبل أن يراه العالم بالإنجليزية. وقد عمدت دار المعارف الناشر لمغامرات تان تان على تعديل القصص لتكون أقل عنصرية ضد العرب وأكثر تقبلاً للأطفال. كان الرسّام البلجيكي هيرجيه (مبتكر شخصية تان تان) ينظر إلى العرب بطريقة عنصرية وفوقية، ويظهرهم في بلاد افتراضية لا أساس لها، ودوماً كمغفلين وساذجين.

حققت سلسة تان تان نجاحا باهرا في مصر وسورية، وتلتها شخصية ميكي التي دخلت كل بيت عربي عبر مجلّة ميكي المصرية، التي صدرت في زمن الوحدة المصرية في نيسان (أبريل) 1958. كانت مرخصة من قبل شركة والت ديزني، إذا عدنا إلى أعدادها الأولى، نجد في بريد القراء عدداً كبيراً من الرسائل المرسلة من أطفال سورية. كتبوا عن أحلامهم وخاطبوا صديقهم ميكي بأسئلة منوعة، بعضها جاد، نظراً لجدية ذلك الجيل حتى في طفولتهم. وقد حدثوا ميكي عن نكسة يونيو، عن معبد جوبيتر وأبواب دمشق السبعة.

موريلي نفسه ظلّ مقيماً في القاهرة حتى سنة 1960، عندما رفض تجديد إقامته. علي خلفية الأزمة الدبلوماسية التي نشبت بسبب حركة التحرير في الكونغو بين الرئيس جمال عبد الناصر وبلجيكا. وقد توفي موريلي في مدينة فلورانس الإيطالية سنة 1969، وغاب ذكره عن الإعلام العربي من يومها. تاريخه لم يُدرس، ولا تاريخ الرسومات الكرتونية في المجلات المصورة العربية. علماً بأن موضوع الكوميك ستريب أصبح اختصاصاً بحد ذاته في الغرب، تُمنح فيه شهادة دكتوراه في جامعة ليدز البريطانية، وتستقطب طلاباً بشكل دوري في جامعة أوهايو الأمريكية.

ولكن موضوعها ظلّ منسيا في عالمنا العربي، يتم التعامل معه باستخفاف شديد، لأنها لا تشبه هموم الناس وتحدياتهم. ولكن وإذا عدنا إلى رسومات الكرتون في مجلّة سندباد، نجد أنها كانت مختصرة على صفحتين في العدد الواحد، قبل أن ترتفع إلى خمس صفحات في العدد، مما يدل على نجاحها ورواجها في القاهرة ودمشق وبيروت وبغداد. من المؤكد أنها ألهمت تجربة مجلّة أسامة السورية للأطفال، ومجلّة سامر اللبنانية التي قدمت نخبة من الرسامين العرب، المتأثرين بماريو موريلي، إلى جيل الثمانينيات. مع ذلك، لا نعرف الكثير عن موريلي وزملائه، ولا يمكننا تحديد مدى تأثيرهم على أقرانهم من المصريين والعرب.

كما لا معرفة لدينا عن مدى تأثير ميكي وأصدقائه على وعي وثقافة أطفال الخمسينيات والستينيات في العالم العربي. قد يكون الجواب: لا تأثير لهم بالمطلق، ولكن لكي نصل إلى هذا الاستنتاج، علينا أن ندخل في صلب تلك التجربة المنسية من الحياة الثقافية العربية الجماعية.

***

 

0 ردود

اترك رداً

تريد المشاركة في هذا النقاش
شارك إن أردت
Feel free to contribute!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *