في الذكرى 102 لاستشهاد يوسف العظمة

سامي مروان مبيّض (دمشق، 24 تموز 2022)

منذ سنوات، انطلقت حملة مُنظَّمة لتشويه سمعة وزير الحربيّة الأسبق يوسف بك العظمة، الذي سقط شهيداً في معركة ميسلون وهو يقاوم الجيش الفرنسيّ يوم 24 تمّوز 1920م. بعضهم قال: إنّه كان عثمانيّ الهوى، وإنّه حارب الفرنسيّين ليس دفاعاً عن سورية، بل ثأراً لهزيمة الدولة العثمانيّة على يد الحلفاء في الحرب العالميّة الأولى.

وقد تناسى هؤلاء جميعاً أنّ العظمة، الذي وصل إلى رتبة قائد فيلق في الجيش العثمانيّ، رفض البقاء في تركيا بعد انتهاء الحرب، وعاد بقراره إلى سورية للمشاركة في تأسيس الحكومة العربيّة، عاد إلى مسقط رأسه في حيّ الشاغور، وعمل على تعريب الكتب العسكريّة، وتأسيس القوّات المُسلَّحة قبل تعيينه وزيراً للحربيّة يوم 5 أيّار 1920م، وقد اختاره لهذا المنصب الحسّاس رئيس الحكومة في حينها المرحوم هاشم الأتاسيّ، أحد حكماء عصره المشهود له بالنزاهة والوطنيّة.

مع ذلك، يصرّ بعضهم على أنّ العظمة ظلّ موالياً لتركيا حتّى الممات بحجّة أنّ زوجته التركيّة “منيرة خانم” كانت بنت جمال باشا، قائد الجيش الرابع، ووزير البحريّة في الحرب العالميّة الأولى، المعروف في بلادنا بلقب “السفّاح.”

هنا يجب التنويه للمرة الألف أنّ جمال كان له ابنة واحدة فقط تُدعى “كمران،” وُلدت في إسطنبول سنة 1908م، وتُوفّيت عام 1974م، وعلى ذلك يكون عمرها 12 سنة فقط يوم استشهاد يوسف العظمة سنة 1920م. ومن المعروف أنّ ليوسف العظمة طفلة واحدة اسمها “ليلى” كان عمرها خمس سنوات يوم وفاة أبيها، أي أنّها من مواليد عام 1915م. معنى ذلك أنّ الزوجة المزعومة “كمران جمال” أنجبت ليلى وهي في السابعة من عمرها! صحيح أنّ زوجة العظمة كانت تركيّة، ولكن لا علاقة لها بجمال باشا لا من قريب ولا بعيد.

أمّا السيّدة منيرة فكان لها نشاط معروف في المجتمع الدمشقيّ، فقد شاركت في تأسيس جمعيّة “نور الفيحاء” لتعليم البنات مع السيّدة نازك العابد، وفي عام 1922م وقَّعت على معروض مُقدَّم إلى السلطات الفرنسيّة مطالبة بإطلاق سراح الدكتور عبد الرحمن الشهبندر أحد رفاق زوجها.

والمعروف أيضاً أنّ يوسف العظمة أوصى الملك فيصل بن الحسين برعاية ابنته “ليلى” قبل ذهابه إلى معركة ميسلون، وبعد استشهاد الأب عادت ليلى إلى تركيا، وعاشت مع عائلة أمّها، ولكنّها لم تكن فقيرة أو محتاجة أبداً، كما يقول بعض السوريّين، فأملاك الأسرة في بساتين الشاغور كانت كفيلة بتأمين حياة كريمة لها ولوالدتها، مع راتب أبيها من الدولة السوريّة.

ففي عام 1947م، خصَّص الرئيس الراحل شكري القوّتليّ ألفي ليرة سوريّة لليلى بنت يوسف العظمة (بموجب المرسوم 288) وألفي ليرة معونة (بموجب المرسوم 982). وكلّ من تبوّأ منصباً رفيعاً من آل العظمة في دمشق ظلّ يسأل عن ليلى، ويلبّي كلّ حاجاتها، ابتداءً من وزير الدفاع نبيه العظمة، مروراً بشقيقه الوزير عادل العظمة، وصولاً إلى رئيس الوزراء الدكتور بشير العظمة. وقد تُوفّيت ليلى في سريرها محاطة بأفراد أسرتها، وليس في شوارع إسطنبول، ولم تكن ضريرة ولا مُشرَّدة أو محتاجة.

كانت ليلى سيّدة جميلة مثل أبيها، كبرت وتعلّمت في المدرسة الفرنسيّة، وتزوّجت من تاجر تركيّ من عائلة “أشار” كان له متجر قماش في ساحة تقسيم، وقد أنجبت منه ولداً واحداً فقط سنة 1943م، وهو الحفيد الوحيد ليوسف العظمة، وقد سُمّيت ليلى نسبة لوالدة يوسف العظمة المرحومة ليلى الشربجيّ.

من يريد مناقشة تاريخ يوسف العظمة الحقيقيّ عليه أن يقرأ الكثير من الكتب، لا منشورات وسائل التواصل الاجتماعيّ التي تخلو من أيّ رقيب. أقترح عليهم كتاب “يوم ميسلون” لساطع الحصريّ (1948م)، و”ميسلون” لصبحي العمريّ (1990م)، إضافة إلى مذكِّرات قائد معركة ميسلون تحسين باشا الفقير، التي نُشِرت في قبرص سنة 2002م. وأخيراً، أرفق صورة كتاب “فاجعة ميسلون،” لمحيّي الدين السفرجلانيّ، وهو أوّل توثيق حقيقيّ لمعركة ميسلون، صدر في دمشق سنة 1937م. أشرف عليه المجاهد نسيب البكريّ، وقدّم له الدكتور عبد الرحمن الشهبندر.

رحم الله يوسف بك العظمة، لو عرف أنّ شعبه ثرثار إلى هذا الحدّ، لربّما فضّل البقاء في داره للإشراف على تربية ليلى بدلاً من الذهاب إلى ميسلون.

***

0 ردود

اترك رداً

تريد المشاركة في هذا النقاش
شارك إن أردت
Feel free to contribute!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *