شويكار…أميرة مصر المنسية
سامي مروان مبيّض – رصيف 22 (بيروت، 20 كانون الثاني 2022)
لم تحظ الأميرة شويكار (1876-1947)، زوجة الملك فؤاد الأول، بنفس الاهتمام الذي حظيت به زوجته الثانية الملكة نازلي، أو زوجات ابنه الملك فاروق. يعود ذلك ربما إلى أن شويكار لم تحمل لقب ملكة في حياتها، وكان جمالها متواضعاً (على الرغم من أنها تزوجت خمس مرات)، أو لأن فترة زواجها من الملك فؤاد لم تتجاوز الثلاث سنوات، بالمقارنة مع زواجه بالملكة بنازلي الذي استمر 17 عاماً.
ولم تثر الأميرة شويكار اهتمام الصحافة الأجنبية، فهي لم تقم علاقة غرامية مع أحد رجالات البلاط، ولم تنشق عن العائلة المالكة ولا اعتنقت المسيحية ديناً وعاشت بين نجمات هوليوود، كما فعلت الملكة نازلي.
والأهم من كل ذلك، أنها لم تنجب ولياً للعهد.
صحيح أن الكثير من الكتاب والصحفيين اهتموا بها خلال حياتها، لأنها كانت أغنى سيدات مصر دون منازع، ولكن قلّة كتبوا عنها بعد رحيلها سنة 1947.
أسرتها وبداياتها
ولدت الأمير شويكار في حيّ أسكدار الراقي بمدينة إسطنبول، الواقع على الضفة الشرقية من مضيق البوسفور، يوم 25 تشرين الأول 1876. كان ذلك بعد شهر ونيّف من وصول السلطان عبد الحميد الثاني إلى الحكم، الذي كان لا يزال يستقبل المهنئين من أنصاره وأصدقائه وأتباعه، ومنهم الأمير إبراهيم فهمي، والد شويكار وحفيد مؤسس الدولة المصرية الحديثة، محمد علي باشا.
أمّا جدها المباشر فهو أحمد رفعت باشا (وليّ عهد الوالي محمد سعيد باشا)، الذي مات غريقاً في حادث قطار عند كفر زيات، فانتهى عرش مصر من يومها إلى أخيه إسماعيل باشا (والد الملك فؤاد). وقد ورثت شويكار عن جدها أراضي ومزارعاً وعقارات، ما جعلها من أغنى سيدات مصر والوطن العربي في عصرها وزمانها. أما أمها فكانت تعيش في إسطنبول بعد طلاقها من أبيها، وقد تزوجت مرة ثانية من فريدون باشا، وهو ضابط كبير في الجيش العثماني.
زواجها من الملك فؤاد
لفت هذا الثراء الفاحش انتباه الأمير الشاب أحمد فؤاد ابن الخديوي إسماعيل، الذي كان يعمل كبير ياوران الخديوي عباس حلمي الثاني (حاكم مصر من سنة 1892 ولغاية عام 1914). كان الأمير فؤاد في السابعة والعشرين من عمره عندما تعرف على الأميرة شويكار في إحدى مناسبات قصر الزعفران، وكان حينها أميراً مفلساً أضاع ثروته على طاولات القمار في نوادي القاهرة. وقد رأى فيها فؤاد سبيلاً للخروج من محنته المادية، وتم الزواج بينهما بتاريخ 14 شباط 1895، في حفل بسيط أقيم في قصر الزعفران. كان والده الخديوي إسماعيل منفياً في إسطنبول يومها، وقد توفي إسماعيل في 2 آذار 1895، بعد أسبوعين من زواج ابنه فؤاد على الأميرة شويكار، وقد قبلت شويكار بأن يكون مهرها مؤجل، بسبب ضائقة زوجها المالية.
حادثة نادي محمد علي
انتقلت شويكار من قصر الدوباره، حيث كانت تعيش مع أشقائها، للعيش في قصر الزعفران، وبعد مدة، اكتشفت أن المال وحده كان دافع الأمير فؤاد في الزواج منها، فقد استقال من عمله في قصر الخديوي لإدارة أملاك زوجته، وكان يعتمد عليها لتأمين رواتب الخدم والحراس ونفقات حياته المترفة، ومنها طبعاً، لوازم القمار اليومي. وفي المقابل، لم يكن فؤاد ذلك الزوج الرؤوف والحنون، بل كان غليظاً فظاً في تعامله مع شويكار، يقسو عليها بالكلام والأفعال، لدرجة وصلت إلى الضرب والإهانة.
عندما سمع بحادثة الضرب، جنّ جنون شقيقها الأمير سيف الدين، وفي 7 أيار 1898، تبع الصهر فؤاد إلى نادي محمد علي (القريب من ميدان التحرير اليوم) وأطلق عليه ثلاث رصاصات، استقرت واحده منها في حلقه، وقد أدّت إلى ضعف في حباله الصوتية وعجز رافقه مدى الحياة. وفى المقابل أخرج الأمير فؤاد مسدسه من جيبه وحاول إطلاقه لكن ظنه خاب إذ كان خاليا من الرصاص. أدت هذه الحادثة إلى طلاق الأميرة شويكار من الأمير فؤاد واعتقال شقيقها، الذي قُدّم إلى المحاكمة ووضع في مصح عقلي وحجر عليه، بعد الحجز على أملاكه، ليتم تهريبه إلى تركيا في أيلول 1925، بعد سنتين من تولّي فؤاد عرش مصر.
أولاد شويكار وفؤاد
وكانت نتيجة هذه الزيجة القصيرة مولود اسمه إسماعيل على اسم جده، ولد في مدينة نابولي الإيطالية وتوفي رضيعاً بعد أشهر في الإسكندرية سنة 1896. ولفؤاد من الأمير شويكار بنت اسمها الأمير فوقية، اشتهرت في سنوات لاحقة بعد زواجها من محمود فخري باشا، وزير خارجية مصر في مطلع العشرينيات وسفيرها في باريس.
وقد كتبت الصحف يومها عن علاقة غرامية جمعت بين الأمير فوقية وضابط فرنسي، وتحدث عنها مطولاً الأمير عادل أرسلان في مذكراته المنشورة سنة 1983. وقد نفت الأمير فوقية هذه الإشاعات بشدّة، كما نفتها الأمير شويكار، وعاشت فوقية في منفاها وعزلتها بعد ثورة الضباط الأحرار سنة 1952، في غرفة في إحدى فنادق زوريخ، حيث توفيت سنة 1974، وسمح لها الرئيس أنور السادات بأن تُدفن في مصر. وبقي قصرها الفاخر موجوداً في مصر إلى اليوم، وتحول إلى مدرسة ثانوية بشارع مراد في منطقة الجيزة.
زيجات بالجملة
بعد طلاقها من الأمير فؤاد، تبوء هو عرش مصر وأصبح سلطاناً ثم ملكاً حتى وفاته عام 1936. وقد تزوج سنة 1919 من الملكة نازلي، التي بقيت على ذمته حتى وفاته، ولكن علاقته بها لم تكن أفضل من علاقته بالأميرة شويكار. أمّا شويكار، فقد تزوجت أربع مرات من بعدها، وكان زواجها الأول من رؤوف ثابت بك سنة 1900، والثاني من سيف الله يسري باشا (سفير مصر في واشنطن) سنة 1904. وبعد طلاقها منه سنة 1916، تزوجت من سليم خليل بك حتى سنة 1927، عندما طلقته وتزوجت من زوجها الخامس والأخير، إلهامي حسين باشا، الذي بقيت معه حتى وفاتها عام 1947. وقد رزقت شويكار بأولاد وبنات من كل هذه الزيجات، وكانت أشهر بناتها لطفية هانم، زوجة أحمد حسنين باشا، رئيس الديوان الملكي وربيب الملك فاروق، ابن الملك فؤاد من الملكة نازلي.
مقتل أحمد حسنين باشا
وقد وضعت الأميرة شويكار في موقف حرج للغاية، عند تزايد الكلام عن علاقة غرامية جمعت بين صهرها حسنين باشا والملكة نازلي، أرملة الملك فؤاد. طلبت الملك فاروق من شويكار التدخّل لوضع حد لهذه العلاقة، وكانت تجمعه بشويكار، زوجة أبيه السابقة، علاقة جيدة. أنكر حسنين باشا هذه العلاقة بشدّة ولكنه طلق زوجته إثر هذه الاتهامات، وقد توفي الباشا بحادث سير وهو يخرج من قصر عابدين متجهاً إلى منزله في حيّ الدقي في 19 شباط 1946، قيل إنه حادث مدبر من الاستخبارات المصرية، بأمر من الملك فاروق وتشجيع من الأميرة شويكار. البعض اعتبر أن مقتل حسنين باشا كان انتقاماً مزدوجاً، من فاروق ثأراً لسمعته ومن شويكار ثأراً لابنتها المطلقة وانتقاماً من الملكة نازلي.
الأميرة شويكار في سنواتها الأخيرة
في حياتها بمرحلة ما بعد القصور الملكية، أصبحت الأميرة شويكار من سيدات المجتمع المخملي في مصر، وترأست جمعية مبرة محمد علي، وكانت رئيسة شرف لمؤسسة فاروق الأول الجامعية. وقد وضعت كتابان في حياتها، حمل الأول عنوان Mon pays: la renovation de l’Egypte, Mohammed Aly، وكان عن جدها الأكبر وقد نشر سنة 1933، وكان الثاني بعنوان The Pharaoh Ne-Ouser-Ra and His Little Slave Girl.
وقد أنشأت جريدة نسائية قبل ثلاث سنوات من وفاتها، حملت اسم “المرأة الجديدة،” وألحقتها بجمعية خيرية تحمل نفس الاسم، تعنى بتعليم المصريات الخياطة والتمريض وغيرها من المهن. وكانت تقيم صالوناً اجتماعياً في قصرها كل يوم أحد، مع حفلتين كبيرتين سنوياً، الأولى في رأس السنة الميلادية والثاني في 11 شباط، يوم عيد ميلاد الملك فاروق.
وفي قصرها الفاخر، الذي استغرق بناؤه سبع سنوات (1900-1907)، كانت شويكار تعرض تماثيل نصفية مصنوعة من الرخام لكل حكام مصر، ابتداء بجدها محمد علي باشا، مروراً بزوجها الملك فؤاد، وصولاً إلى الملك فاروق، الذي كان تمثاله كاملاً وأكبر من تماثيل كل أجداده. وقد اشترت الحكومة المصرية هذا القصر في عهد الملك فاروق وجعلته مقراً لمجلس الوزراء. وقد شهد القصر ظهور الرئيس جمال عبد الناصر على شرفته مع نظيره السوري شكري القوتلي عند إعلان جمهورية الوحدة سنة 1958، وفي 15 آذار 1987، سجّل القصر ضمن المباني التاريخية في عهد الرئيس حسني مبارك.
توفيت الأميرة شويكار عن عمر ناهز 70 عاماً في 17 شباط 1947، ودفنت في قبر نفيس كانت قد صممته بنفسها، وهو عبارة عن سرير من رخام ناصع البياض، عليه ملاءة رخامية ووسادة كتب فوقها “الله”، وكان على كل من جوانبه باقة ورد منحوتة من رخام، وفوقه التاج الملكي لأسرة محمد علي باشا.
***
اترك رداً
تريد المشاركة في هذا النقاششارك إن أردت
Feel free to contribute!