سامي مبيّض يحاور الأديب العالمي باولو كويللو

 

سامي مروان مبيّض – مجلة فوروورد (دمشق 2008)

 

كانت الجامعة المكان الأول التي سمعت باسم باولو كويللو، وكان الخبر المنتشر في شوارع بيروت بغزو كاتب من البرازيل للساحة العالمية بكتابه المزلزل الجديد بعنوان الخيميائي، هذا الكتاب الذي غير مجرى حياة العديد من الشباب.

في الثمانينيات تم نشر كتاب الخيميائي أولاً من خلال دار نشر برازيلية مغمورة ليصبح “أحد أكثر الكتب مبيعاً عبر التاريخ” بأكثر من (65) مليون نسخة مترجمة إلى (67) لغة وما لبث أن أصبح اسم باولو كويللو مألوفاً في دمشق من قبل ملايين الشباب السوري الذين قرؤوا النسخة العربية من كتابه. لقد ذاع صيت كتبه بشكل واسع بحيث أنك تراه في كل مكان تقريباً في حرم الجامعات السورية، في الباص، الطائرة، مقاعد القطار أو بجانب الأسرّة عند اليافعين. وبالإجمال فقد تم بيع حوالي (10) مليون نسخة للكاتب الأدبي الأسطورة البالغ من العمر (62) عاماً في أكثر من (150) دولة حول العالم حاصلاً بذلك على شهادة جينيس للأرقام القياسية “الكتاب الأكثر ترجمة لكاتب على قيد الحياة”.

وهنا في لقاء أول وحصري للصحافة السورية يتحدث في مجلة رائدة عن مفهومه لحصوله على المركز الأول.

  • من خلال قراءة رواياتك يمكن أن يشعر الفرد بتأثير الصوفية ،هل من صوفيّ أثّر على حياتك وأعمالك؟

في الحقيقة لقد ألهمتني الصوفية كثيراً خلال حياتي وقد أشرت إليها في بعض من كتبي كالخيميائي (Alchemist) وكتابي الجديد الزهير (الظاهر) (Zahir).

وأول شخصية تخطر ببالي هي “الرومي” فقد كانت رؤيته وطريقة تعليمه واضحة ودقيقة بشكل لا يصدق وهناك شخصية أخرى أنا مولعٌ بها وهي “مللا نصر الدين” (ويعرف أيضاً باسم الحاج نصر الدين) فقد أُعجبتُ حقاً بطريقته باستخراج نواة وجوهر الأشياء ببساطة وعدم تكلف. إن طريق الحكمة عادة يظهر بمظهر الحماقة للعالم.

  • ماهي روايتك المفضلة من رواياتك (وهو سؤال صعب للكتّاب) وإذا كان عليك اختيار احدى رواياتك لتكون فيلماً سينمائياً أي واحدة ستكون ولماذا؟ وهل صحيح بأنه يتم العمل على رواية الخيميائي من قبل واحد من معجبيك وهو “لورنس فيشبرن” لتصبح فيلماً، هل لازال المشروع قائماً؟ وهل أنت موجود ضمن عناصر هذه الرواية المتبناة في السينما؟

من الصعب جداً الإجابة على هذا السؤال لأن لكل رواية قيمة في حياتي وكل واحدة تعكس عالماً، حالة نفسية وحساسية معينة وكأنك تسألني أي طفل من بين أولادك مفضل إليك، كلهم جزء مني.

أما بالنسبة للشق الثاني من السؤال فلست مشاركاً بشكل مباشر برواية الخيميائي المتبناة للسينما بل أفضل الوقوف جانباً ورؤية كيف سيتخيل غيري الرواية وأعتقد أنه الحل الأمثل في نظري لكل كاتب.

  • من بين شخصياتك في أعمالك ،أي شخصية تعكس باولو كويللو ولماذا؟

عندما تكتب كتاباً فانك تحاول عرض ليس ما تفكر به تماماً وإنما ما تفكر به شخصياتك الرئيسية، وعندها تدرك بأن هذه الشخصيات جزء من روحك وبأنك معقد للغاية. في بعض الأوقات، قد لا أتفق مع ما تفكر به شانتال أو بيرثا فهما لديهما حياتهما الخاصة لذا علي احترام ذلك كروائي. كل شخصية فريدة من نوعها وتعكس جزءاً من أسئلتي وآمالي وشكوكي.

  • لماذا اخترت شخصية عربية (شيرين خليل) في روايتك -ساحرة في بورتبيللو- هل هي شخصية مأخوذة من الواقع أو أنها شخصية خيالية؟

حدث حقيقي حدث معي وحاجة لسرد قصة، في أكتوبر 2005 التقيت بمضيفة رومانية في ترانسلفانيا أخبرتني كيف تم تبنيها من قبل عائلة نمساوية وعن جذورها الغجرية وكانت هذه نقطة البداية تقريباً لروايتي.

وبعد هذا اللقاء بدأت بِحَبك خيوط رواية لطالما رغبت بكتابتها: الجانب الأنثوي لله، أردت الغوص في قلب الأم العظيمة، شعرت بالحاجة لسؤال المجتمع عن محاولته لإبعاد هذا الجانب الأنثوي لله، وكانت طريقتي لمعالجة هذه المسألة وفك الأغلال عن هذه العقيدة من خلال شخصية شيرين خليل وشجاعتها وحريتها.

  • أنت روائي صاحب تأثير كبير على العالم وخاصة الشباب وهذا من شأنه أن يلغي جميع الحدود الجغرافية والسياسية اذا منحت الخيار باتخاذ قرار باتخاذ منصب، أي منصب سيكون؟ وكيف يمكن أن تستخدمه لتحسين وضعك الذي حققته ككاتب؟

بغض النظر عن التأثير الذي تتحدث عنه: أنا لدي تأثير ولكن أظن أن قوته تنبع من الحرية الموجودة بداخل كل شخص منا. أستمتع بالحرية التي أملكها عن طريق قدرتي على كتابة جميع أو أغلب المواضيع الافتراضية دون الخوض بأجندات سياسية أو دعائية وأعتقد أنه يجب أن يقع على عاتق كل إنسان مسؤولية المشاركة بمجتمعه.

لقد كنت مشككاً دائما بأولئك الذين يقولون “أريد إنقاذ العالم ومساعدة الآخرين وهكذا…” لأن إنقاذ العالم مهمة لا يمكن إكمالها كونها جملة مجردة جداً لتوضع موضع التطبيق. ولكن المهمة الممكنة والأكثر صعوبة بنفس الوقت هي بالنظر إلى أنفسنا بالدرجة الأولى ومحاولة معرفة الأخطاء التي بداخلنا قبل البحث عن أخطاء الآخرين، يجب على الفرد معرفة أخطائه بنفسه.

لقد استغرقت أربعين سنة في معرفة نفسي، لقبول حلمي في أن أصبح كاتباً. وعندما بدأت باتخاذ طريق اتباع أسطورتي الشخصية عندها فقط أصبحت قادراً على مجاراة الآخرين، قبل ذلك كان هنالك العديد من الحواجز في روحي نظرت حولي وقلت: “لا أستطيع تغيير العالم، لا أستطيع تغيير مدينتي، بلدي أو حتى حيي، لكني أستطيع تغيير طريقي”. كان هذا عند ذهابي إلى “فافيلا ” في ريو، حيث تعرفت على مجموعة أشخاص في فافيلا يعتنون بالأطفال ومنذ ذلك الحين وأنا أتعاون معهم والآن أصبح عدد الأطفال الذين نعتني بهم قرابة (430) طفلاً.

  • الروحانية هي جوهر أعمالك، هو التأثير الذي كان يطغى عليك عند كتابتك للخيميائي، لقد كان لديك بالفعل التأثير على حياة ملايين من الأشخاص من خلال هذا الكتاب ولكن القليل منهم يعرف القوى المؤثرة عليك؟

اعتقد بأن الروحانية التي تتحدث عنها بدأت من حب الاستطلاع ولاحقاً من خلال فهمي للوجود الصامت المحيط بي. لا أحاول شرح هذا الوجود ولكني أحاول العيش مع إيماني بالأشياء التي أؤمن بها. بالنسبة لي، الروحانية والأدب متشابهان، ففي روايتي الأولى “حاج كومبوستيلا (The Pilgrimage)” كتبت عن رحلتي الحقيقية وهي قصتي الحقيقية.

ومن خلال قراءة هذه الرواية يبدو لك عدم سروري بشكل واضح وكان علي القيام بشيء آخر وهو الامتناع عن اختلاق الأعذار، فقد أدركت بأنه ليس من الضروري أن تمر بمجموعة تعقيدات للوصول لهدفك، يمكنك فقط النظر إلى جبل وتكوين علاقة للتواصل مع الله، ليس عليك فهم الجبل لتدرك هذا الإحساس.

عند عودتي من رحلتي أصبت بخيبة أمل ووجدت صعوبة بالتأقلم مع حياتي الاعتيادية بالإضافة إلى عدم صبري ومحاولة تغيير حياتي بشكل فوري.

تحصل التغييرات عندما تكون أنت جاهزاً وقد استغرقت عدة أشهر لأدرك بأنه يجب علي التركيز على كتابة كتابي لوحدي بدلاً من المحاولة بملء الأدوار المختلفة كما كنت أفعل سابقاً. كانت رواية “حاج كومبوستيلا” هي موضوعي وخطوتي الأولى نحو تحقيق أحلامي.

أيقظ ذهابي لهذا الحج إدراكي من جديد ولكن ليس عليك المضي في طريق سانتياغو للوصول للنتائج، الحياة نفسها هي حج بحد ذاتها، كل يوم مختلف عن الآخر، كل يوم لديه دقيقة من السحر ولكننا لا نرى الفرص لأننا نفكر. “يا إلهي هذ ممل، أنا ملزم بأن أعمل”.

كلنا في رحلة حج سواء أعجبنا الأمر أم لا، والهدف أو سانتياغو اذا أردت هو الموت، عليك باستغلال الفرص خلال هذه الرحلة لأنه في النهاية لا تملك سوى الرحلة، ليس من المهم كم تملك من الثروة لأنك ميت في النهاية لذلك لم لا تحاول العيش؟ عندما تدرك ذلك تصبح مقداماً وهذا هو الشرط الأول لأي بحث روحي المخاطرة.

  • اذا عاد بك الزمن للوراء ما الذي ستغيره على صعيد حياتك المهنية منذ بدأت الكتابة عام 1982؟

بصراحة هناك العديد من الأشياء التي أندم أني لم أفعلها ولكني لا أندم على أشياء فعلتها أصلاً.

لفد قلت سابقاً “لقد عرفت دوماً بأن أسطورتي الشخصية، وهو استخدام مصطلح من الخيماء، للكتابة”، لقد شهدت مهنتك أكثر من الكتابة ابتداء من كونك كاتب أغاني مشهور في مشاهد الروك البرازيلية، انتهاء بسجنك من قبل الدكتاتورية العسكرية للبرازيل في عام 1947. كونك شاب جُبت العالم لتتعلم عن أسرار المجتمعات، الديانات الشرقية و التصوف. من كان أبطالك في حياتك، وما الذي جعل من باولو كويللو ما هو عليه اليوم ؟

هناك العديد من الأشخاص المعجب بهم شخصيا كمانديلا، غاندي، مارتن لوثر كينغ. من المؤكد أنهم أحدثوا فرقاً للأفضل في عالمنا. لكني في كثير من الأحيان أجد بأننا نهمل العظمة الموجودة بداخل الأشخاص وذلك يؤدي إلى حياة أقل “استثنائية”. أنا أتحدث عن أبطال بشكل يومي على صعيد حياتهم الشخصية بمحاولتهم لإنجاح حياتهم وتطويرها مع محيطهم. يمكن أن يكون سائق تكسي، رجل التقيته بالصدفة في حافلة، اذا كنت شخصاً حساساً للإشارات ممكن لهذا الشخص – الذي من الممكن أن لا تراه مجدداً – أن يعطيك المعلومات الصحيحة لاتخاذ القرارات التي لطالما قمت بتأجيلها. لذلك كل ما عليك فعله هو التنبه للإشارات والعلامات من حولك، الانفتاح على الغير والقدرة على مشاركة أنفسنا وأرواحنا.

ترجمة علياء العظمة، نشر في موقع “مجتمع أرابيسك” بتاريخ 19 آذار 2017