مسلسلات مفقودة لغوار

 

 

 

سامي مروان مبيّض – (رصيف 22، بيروت 15 كانون الثاني 2023)

 

 قبل نهاية العام الماضي، أعلنت الصفحة الرسمية للفنان السوري دريد لحام عن العثور على ثلاثة أعمال كوميدية مفقودة، بُثت عبر أثير إذاعة دمشق قبل أكثر من أربعة عقود. وبالفعل بدأت الصفحة ببث المسلسل الأول غوار يخترق الجدار، وعند الانتهاء سيبدأ بث مسلسل غوار والكنز، ثم مسلسل كل يوم حكاية.

كل هذه الأعمال قد نساها الزمان ولم تعرض إلّا مرة واحدة فقط. لا أحد يأتي على ذكرها في كل المقابلات التي أجريت مع دريد لحام، ولا ذكر لها في كل الكتب التي تناولت مسيرته الفنية. حتى أن مشاركاته الإذاعية بالعموم ظلّت مجهولةً مقارنة بأعماله التلفزيونية والسينمائية والمسرحية، فلا أحد يذكر مسلسل “عبد الودود عالحدود” (وهو استكمال فيلم الحدود) أو “عودة غوار” (ولا علاقة له بالمسلسل الذي حمل نفس الاسم سنة 1998).

غوار والكنز

المؤرخون الدراميون سيجدون مادة دسمة في هذه المسلسلات الثلاثة، وكذلك جمهور “غوار الطوشة” العريض في كل أنحاء الوطن العربي. العمل الأقدم بين هذه الأعمال هو غوار والكنز (1979) الذي يحاول وبشكل واضح اجترار نجاح مسلسل صح النوم الشهير بجزئيه وفيلمه المتمم ملح وسكر، الذي عرض في مطلع السبعينيات.

يعود غوار المشاكس صاحب المقالب مع كل طاقم صح النوم، من صديقه الحميم “أبو عنتر” (ناجي جبر) و”ياسينو” (ياسين بقوش) وصولاً إلى “فطوم حيص بيص” (نجاح حفيظ). ولكن حسني البورظان غائب عن العمل، تمثيلاً وكتابةً كونه جاء بعد تعرضه لجلطة دماغية أبعدته عن عالم الفن والتمثيل. كما غاب النجم عبد اللطيف فتحي الذي اشتهر بشخصية “بدري أبو كلبشة” وحلّ مكانه في دور “رئيس المخفر” الفنان تيسير السعدي، أحد مؤسسي إذاعة دمشق.

العمل من تأليف الكاتب محمد جومر، المعروف في عالم الإذاعة يومها، وتدور أحداثه حول قرية منسية ذبحها العطش، يأتي غوار لإنقاذ أهلها واستخراج كنز مدفون في أرضها، كما تقول الأسطورة المتداولة شفهياً بين الناس. عبر عدة مشاهد كوميدية وحوارات غنائية على طريقة مسرح الرحابنة، يصل غوار إلى الكنز ليجد أنه عبارة من ماء مدفون في باطن الأرض؛ ماء يعوّض أهالي القرية عن الذهب، والأمطار، خلال مواسم الجفاف.

بالمتابعة الدؤوبة لأعمال دريد لحام سنجد تشابهاً كبيراً بين هذه النهاية ونهاية مسرحية صانع المطر التي عُرضت بعد غوار والكنز بثلاث عشرة سنة، حيث يأتي رجل مجنون يدعى “قيصر” ليقول لأهالي قرية منسية إن المطر يأتي من الأرض، وليس من السماء.

ما يميز هذا المسلسل هي أجواء صح النوم وشخصيات “حارة كل مين أيدو ألو” الشهيرة، إضافة إلى طيف واسع من نجوم الصف الأول المشاركين به مثل تيسير السعدي وطلحت حمدي وهاني الروماني. جميعهم كانوا في صدارة المشهد الفني السوري آنذاك، وتحديداً تيسير السعدي، الذي يعود مجده إلى مرحلة الخمسينيات، وهاني الرومان الذي كان بطل مسلسل أسعد الوراق الناجح الذي عُرض سنة 1975، ومن ذلك ومع أن نجوميته كانت مطلقة، إلا أنه لم يُمانع الظهور بدور ثانوي مع دريد لحام، إما حباً به أو بإذاعة دمشق، ثاني أقدم إذاعة عربية بعد إذاعة القاهرة.

 

إذاعة دمشق كانت ولا تزال إذاعة حكومية، وكان أجراً زهيداً بالمقارنة مع ما كانوا يحصلون عليه لقاء عملهم من شركات خاصة، لبنانية كانت أم مصرية. وأكثرهم إدراكاً لذلك الأمر كان دريد لحام نفسه، الذي توسع نحو الإنتاج وكان هو منتج مسلسل صح النوم الذي حقق نجاحاً مادياً كبيراً سنة 1971. مع ذلك قَبِل هو كما قَبِل كلُّ نجوم غوار والكنز المشاركة في مسلسل إذاعي طويل من ثلاثين حلقة، مع أنهم كانوا يعرفون جيداً أنه لن يحقق رواجاً ولا منفعة مادية ولا انتشاراً بسبب تراجع حاد في عدد المستمعين يومها، نظراً لانتشار وشعبية التلفزيون.

غوار يخترق الجدار

ثاني الأعمال هو غوار يخترق الجدار وتكمن أهميته في أنه من بطولة دريد لحام وياسر العظمة، أشهر فناني الكوميديا في سوريا. يعود المسلسل إلى سنة 1981، أي أنه جاء خلال المراحل الأخيرة من عرض مسرحية كاسك يا وطن بالنسبة لدريد، وقبل عام تقريباً من إطلاق الجزء الأول من مسلسل ياسر العظمة الشهير مرايا

قبل ظهور هذا المسلسل، كان كل الناس ومنهم المؤرخون لتاريخ الدراما السورية يظنون أن لحام والعظمة لم يشتركا إلّا في عملين فقط لا غير، وهما مسرحية ضيعة تشرين (سنة 1974) ومسرحية غربة (عام 1976). ولكنّ هذا المسلسل الإذاعي يُضيف عملاً ثالثاً إلى مسيرتهم المشتركة؛ عمل “جديد” يجمعهم مع نخبة من نجوم جيلهم، مثل ياسين بقوش ونجاح حفيظ وسامية الجزائري (وهناك عمل رابع منسي أيضاً وهو تمثيلية الكسلان العظيم، من بطولة ياسر العظمة وإخراج دريد لحام).

أما عن غوار يخترق الجدار فهو مثل غوار والكنز من إخراج سهيل كنعان وتأليف محمد جومر، وتدور أحداثه حول إصابة “غوار” بداء رهيب يعطيه القدرة على اختراق الجدران. بعد طرده من عمله من قبل مديره “مراد مراد” (ياسر العظمة)، يقرر الاستفادة من هذه الطاقة لكي ينتقم من المجتمع الذي ظلمه.

كل يوم حكاية

أما عن العمل الثالث والأخير -والذي لم يُعرض عبر قناة دريد لحام بعد– فهو كل يوم حكاية مع شريكه الكبير نهاد قلعي. هنا أيضاً تأتي معلومة جديدة تغير السردية التاريخية السائدة والتي تقول إن نهاد قلعي لم يعمل في التمثيل بعد مرضه إلّا في مسلسل عريس الهنا في الثمانينيات الذي كان من تأليفه وبطولته.

الجميع يعتبر أن آخر مشاركة له مع دريد كانت في مسرحية غربة سنة 1976، ولكنهما عملا معاً في فيلم عندما تغيب الزوجات في نهاية السبعينيات، ثم في برنامج وثائقي من مسيرتهم، صوّرت منه بعض الحلقات ولكنه لم يكتمل ولم يُعرض، وقد جاء باسم مشوار دريد ونهاد سنة 1990، قبل وفاة نهاد عام 1993. واليوم يضاف إلى هذه الأعمال كل يوم حكاية الذي هو من تأليف نهاد، وقد جاء تنفيذه وبثّه في مرحلة مرضِه منتصف الثمانينيات، حيث يظهر بشخصية “حسني البورظان” في آخر لقاء بينه وبين “غوار الطوشة،” ولعلها صدفة أن يُعثر عليه في سنة 2023 وهي الذكرى الثلاثون لرحيل نهاد قلعي.

0 ردود

اترك رداً

تريد المشاركة في هذا النقاش
شارك إن أردت
Feel free to contribute!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *