مثل زها…

سامي مروان مبيّض (دمشق، 31 كانون الثاني 2022)

  

ابنتي صفيّة باتت مغرمة بالمعمارية العراقية الراحلة زها حديد، التي وردت سيرتها ضمن سلسلة قصص أطفال صدرت عن دار Frances Lincoln في لندن. السلسلة جاءت على شكل رسوم كرتونية مع سير مبسطة، وفيها شخصيات عالمية غيرت مجرى التاريخ مثل مانديلا، أينشتاين، ستيف جوبز، غاندي، وغيرهم، لتكون زها حديد هي العربية الوحيدة بينهم.

في كل ليلة، تطلب مني صفيّة أن أعيد قراءة نفس القصة، للمرة الألف، عن تلك الفتاة العراقية الطموحة التي خرجت من بغداد لتصمم أشهر مباني العالم.

بابا، عندما أكبر أريد أن أكون مثل زها…”

عرضتُ على ابنتي صوراً لكل مشاريع زها حديد العالمية، وأخرجت لها حواراً قديماً كنت قد أجريته مع زها قبل سنوات طويلة، لصالح مجلّة Forward  السورية التي كنت رئيساً لتحريرها حتى سنة 2011.

سألتها بداية عن طفولتها في بغداد، فأجابت مبتسمة: “كانت طفولة جميلة في عراق الستينيات، في ظلّ جمهورية وليدة كانت تسعى لخلق هوية جديدة لنفسها. في العراق كان هناك إيمان مستمر بالتقدم وشعور كبير بالتفاؤل. سافرت كثيراً مع أهلي وفي كل مدينة كان أبي يصر أن أزور كل معالمها الرئيسية ومتاحفها. من تلك الذكريات زيارتي الأولى إلى قرطبة عندما كنت في السابعة من عمري، ومشاهدة مئذنة جامع الملوية في سامراء الذي بناه الخليفة العباسي المتوكل على الله. كنت أرى أشجاراً وأنهراً كانت لا تزال في مكانها منذ عشرة آلاف سنة. كانت تشعرني بمدى عظمة هذه البلاد وعراقتها.”

بعد الحديث عن حبيبتها بغداد، انتقلنا للحديث عن حبيبتي دمشق… 

تحدثت زها عن براعة الحرفيين الدمشقيين، ودقة خطوطهم ورسوماتهم، ثم قالت: “لا أعتقد أن المدن الكبرى يجب أن تبقى على حالها…أن لا تشيخ أبداً أو تتغير. يجب إضافة لمسة حداثة دقيقة ومدروسة للغاية على مدينة عريقة مثل دمشق.”

ولكن لمسة زها حديد لم تظهر أبداً، لا في دمشق أو في بغداد، ولا حتى في القاهرة. ولكننا نجدها اليوم في لندن وبكين وفيينا، في أذربيجان وأنتويرب وسول وهونك كونغ. الاستثناءات الوحيدة لتصاميم زها حديد في الوطن العربي كانت في احدى مباني جامعة بيروت الأمريكية وفي جسر الشيخ زايد في أبو ظبي والمسرح الكبير في العاصمة المغربية الرباط. سألتها عن السبب، وكان جوابها: “سأكون سعيدة للمساعدة، إذا طُلب مني ذلك. لم يُطلب مني بعد. الدول العربية تحب الساعات الرخيصة المقلّدة، ومن يقتني ساعات مقلّدة لن يدفع ثمن ساعة رولكس.”

كانت زها حديد بحق هي “رولكس العراق.” شكراً لدار النشر البريطاني الذي وضعها بين العظماء، ولحبيبتي صفيّة التي ذكرتني بها وبلقائي القديم معها

ستكونين مثل زها، وأكثر….

***

0 ردود

اترك رداً

تريد المشاركة في هذا النقاش
شارك إن أردت
Feel free to contribute!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *