كيف دخلت الشوكولا لبنان ومصر وسورية؟

سامي مروان مبيّض – رصيف 22 (2 تشرين الأول 2022)

 

طوال سنوات القرن الثامن عشر، كانت الشوكولاتة التجارية في العالم عبارة عن شراب سائل، يتم احتساؤها مع الحليب، ولا تؤكل أبداً. في سنة 1819، أسس رجل أعمال سويسري يُدعى فرانسوا كايلي مصنعاً لإنتاج الشوكولاتة الصلبة، فيما اعتُبر الحدثُ يومها مغامرةً تجارية كبرى. وبعدها بسبع سنوات، قام الصناعي فيليب سوشارد، وهو سويسري أيضاً، بابتكار آلة لخلط السكر مع الكاكاو، وصارت منتجاته تُباع بالقطعة في المتاجر والصيدليات.

حققت الشوكولاتة الصلبة نجاحاً كبيراً في أوروبا منتصف القرن التاسع عشر، لدرجة أن أحد الصيدليين الفرنسيين صار يستخدمها لتغليف الحبوب والأدوية، لإضفاء نكهة مميزة عليها، وجعلها أكثر تقبلاً لدى الكبار والصغار.

ثم جاء الصناعي البريطاني جوزيف فراي سنة 1847 ليطرح أول قطعة شوكولاتة مغلفة في الأسواق، تلاه بعد سنتين جون كادبوري، مؤسس شوكولا كادبوري الشهيرة. وبعدها انطلقت عدة ماركات تجارية في العالم، لا تزال هي الأشهر في عالم الشوكولاته التجارية، مثل هيرشي الأمريكية سنة 1894 ونسله السويسرية عام 1905، وأخيراً شوكولا مارس الأمريكية سنة 1911.

هذا التاريخ مدوّن ومعروف في عالم الشوكولاتة العالمي، ولكن متى دخلت هذه الصناعي إلى الوطن العربي؟

محمود غندور مؤسس شوكولا وبسكويت غندور في لبنان.

محمود غندور مؤسس شوكولا وبسكويت غندور في لبنان.

الشوكولا في لبنان: 1912

أُطلق على لبنان الستينيات اسم “سويسرا الشرق” نظراً لجباله وأرزه وحياته المصرفية النشطة، ولكن مكوّناً آخر أهّل لبنان لنيل هذه التسمية، وهو ريادته في صناعة الشوكولا؛ فكان لبنان، مثل سويسرا، سبّاقاً في هذا المجال على مستوى العالم العربي. تعود القصة إلى سنة 1895، حيث قام محمود غندور بفتح متجر للحلويات في بيروت، فكان أول من باع الشوكولا الصلبة المستوردة من أوروبا.

نظراً لرواجها بين اللبنانيين والأجانب المقيمين على أراضيه، أسس غندور مصنعاً حديثاً للحلويات سنة 1912، وغزت منتجاتُه كلَّ بيت عربي، ومنها الشوكولا والبسكويت بالشوكولا والوافر. كبر مصنع غندور بسرعة، نظراً لانفتاح لبنان الاقتصادي في الخمسينيات والستينيات، وصار الأشهر والأضخم في الشرق الأوسط. وقد سُئل صاحب المصنع ومديره رفيق غندور عن أحبّ الموسيقى لديه، فكان جوابه: “صوت آلات المصنع وهي تعمل”.

نجا معمل غندور من حربين عالميتين، وحرب أهلية طاحنة، وظل يعمل على الرغم من كل التحديات الأمنية والاقتصادية، مروراً بالانهيار الكبير الذي حلّ بهذا البلد الصغير منذ سنة 2019. انتقلت الكثير من أعماله إلى العاصمة السعودية الرياض، مع الحفاظ على المصنع الأم في لبنان، وعلى الهوية اللبنانية لمنتجات غندور.

تومي كريستو مؤسس معمل شوكولا كورونا في مصر.

تومي كريستو مؤسس معمل شوكولا كورونا في مصر.

الشوكولا في مصر: 1919

مؤسس الشوكولا في مصر لم يكن مصرياً، بل يونانياً مقيماً في الإسكندرية يُدعى تومي كريستو. شاهد تومي تطور ونجاح صناعة هذه الحلويات في أوروبا، وقرر نقل تجربتها إلى مصر في زمن السلطان حسين كامل، فقام بتأسيس مصنع صغير للشوكولاتة التجارية الصلبة في مدينة الإسماعيلية، على الضفة الغربية لقناة السويس، سمّي “شوكولا رويال”.

وفي سنة 1919 وهو في الثامن والعشرين من عمره، أنشأ تومي كريستو مصنعاً حديثاً في الإسكندرية وصار يُنتج شوكولا “كورونا” التي حققت رواجاً باهراً في مصر، واتخذ لها علامة تجارية عبارة عن رأس غزال.

ولرأس الغزال هذا قصة، حيث كان إلى جانب مصنع تومي كريستو مرج أخضر ترعى فيه الغزلان البرية، ويقيم فيه الأطفالُ مباريات كرة القدم. وفي إحدى المباريات، اصطدمت الكرة بغزالة فماتت، فحزن كريستو كثيراً، وأمر بوضع رسمها على أغلفة منتجاته، لتصبح شعاراً لشوكولا كورونا.

ظلّت الشركة تحت إدارة مؤسسها اليوناني إلى أن صدر قرار بتأميمها سنة 1963، في عهد الرئيس جمال عبد الناصر. ضاع حلم كريستو وانهارت الإمبراطورية التي عمل لأجلها في مصر، فسافر واستقر في سويسرا حتى وفاته.

إعلانات شوكولا كورونا مصر.

إعلانات شوكولا كورونا مصر.

أما الشركة المؤممة فقد بقيت في يد الحكومة المصرية إلى سنة 2000، عندما تم بيعها إلى شركة سونيد الخاصة، وهي لا تزال تنتج شوكولا كورونا حتى اليوم.

الشوكولا في سوريا: 1931

في دمشق، أسست عائلة غراوي المعروفة تجارةَ للمواد الغذائية سنة 1805، منها الشاي والبن والسكر. وتوارث أبناء غراوي ملكية العمل وإدارته، وصولاً للصناعي صادق غراوي، الذي لمع اسمه في مطلع ثلاثينيات القرن الماضي كأحد مؤسسي معمل الكونسروة مع شكري القوتلي، قبل 12 سنة من وصول الأخير إلى سدة الحكم في سوريا.

كان المصنع عبارة عن شركة مساهمة، خُصصت لتعليب وحفظ منتجات غوطة دمشق الزراعية من الخضار والفواكه، وبيعها في الأسواق العربية. وفي سنة 1931، زار صادق غرواي مصانع الشوكولاته في فرنسا، وقرر أن يدخل عالم صناعتها في سوريا. فأسس مصنعاً حديثاً بدمشق، وانفرد بصناعة الشوكولا مع الحليب، المحشية باللوز أو البندق.

معمل غراوي بدمشق في الخمسينيات.

معمل غراوي بدمشق في الخمسينيات.

بداية لم تُعجب هذه الحلوى أهالي دمشق، المعتادين على الحلويات العربية بسمنها البلدي وقشطتها، فصارت “شوكولا غراوي” تُباع في علب خشبية فاخرة، يتم استيرادها من النمسا، وتوضع بداخلها أشياء مفيدة لسيّد المنزل وربته، لجعلها أكثر رواجاً، كمقص صغير من الفضّة مثلاً أو فتّاحة ظروف وأغلفة.

كما تعاقد صادق غراوي مع خبير فرنسي يُدعى مسيو أوغيس، وجاء به إلى دمشق، فبقي فيها أوغيس طيلة اثنتي عشرة سنة، واضعاً خبرته تحت تصّرف معمل غرواي.

شوكولا غراوي في باريس، ثلاثينيات القرن الماضي.

شوكولا غراوي في باريس، ثلاثينيات القرن الماضي.

شاركت المنتجات السورية في عدة معارض عالمية في باريس ونيويورك، وصارت تُباع في كبرى متاجر لندن، مثل “سيلفريدجز” و”هارودز”. ولكن مصيرها لم يختلف عن مصير شركة كورونا المصرية، حيث تم تأميمها في زمن الوحدة سنة 1961.

لم ييأس صادق غراوي، وفي مرحلة الانفصال بعد انقلاب 28 أيلول/سبتمبر 1961، بدأ في وضع أساسات مصنع حديث للبسكويت والشوكولا، تم تأميمه في عهد الرئيس أمين الحافظ سنة 1965.

توفي الرجل سنة 1969، وجاء ابنه بسّام غرواي سنة 1996، ليُعيد الروح في منتجات غراوي من جديد، عبر المحل الوحيد الذي بقى للأسرة ولم تطله القرارات الاشتراكية، فقام بفتح مصنع حديث للشوكولا، لا يزال قائماً حتى يومنا هذا.

 

0 ردود

اترك رداً

تريد المشاركة في هذا النقاش
شارك إن أردت
Feel free to contribute!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *