قبل أن تكون رئاسة لبنان للموارنة: عهد الرئيس شارل دباس 1926-1936

 

سامي مروان مبيّض – رصيف 22 (بيروت، 2 كانون الثاني 2022)

 

في 1 أيلول 1926، وبعد انتخابه كأول رئيس للجمهورية اللبنانية، وقف الرئيس شارل دباس على مدخل قصر الصنوبر، مستقبلاً وفود المهنئين، وإلى جانبه المندوب السامي الفرنسي هنري دي جوفنيل. كان الرئيس دباس في الواحد والأربعين من عمره يومها، وكانت ولايته، بحسب الدستور الأول الذي وضع قبل خمسة أشهر، مدتها ثلاث سنوات فقط.

بعث بطريرك الموارنة إلياس حويك برسالة مقتضبة حسب الأصول ولكن تحفظه على انتخاب شخصية أرثوذكسية للرئاسة اللبنانية لم يكن خافياً على أحد، معتبراً أن هذا المنصب من حق الموارنة وحدهم دوناً عن غيرهم.

كان ذلك قبل سبعة عشر عاماً من إبرام الميثاق الوطني، الذي ضمن الرئاسة اللبنانية للموارنة، وأعطى رئاسة الحكومة إلى المسلمين السنّة سنة 1943. ولكن وفي عام 1926، لم تكن هذه التقسيمات قد رسخت بعد في لبنان، وكانت رئاسة الجمهورية متاحة للجميع. في عهد الرئيس دباس، كانت رئاسة مجلس النواب للمسلمين السنة، ممثلين بزعيم طرابلس الشيخ محمد الجسر، وكانت رئاسة الحكومة محفوظة للموارنة.

وقد شكّلت ست حكومات في عهد الرئيس دباس، ذهبت رئاستها جميعاً إلى شخصيات مارونية، وفي نهاية العهد جاءت حكومة سابعة سنة 1932، سمّيت بحكومة المديرين، وكانت برئاسة رئيس الجمهورية، لتكون هذه هي المرة الأولى والأخيرة في تاريخ لبنان التي تكون فيها رئاسة الجمهورية والحكومة بيد المسيحيين الأرثوذكس. أمّا عن بقية الطوائف، فقد جاء تمثيلها في ثلاث حقائب في أول حكومة في العهد الجديد، حيث تولّى السنّة حقيبة العدل والشيعة حقيبة الزراعة والدروز حقيبة الصحة، وكان ذلك في حكومة أغست باشا أديب التي جاءت سنة 1926.

الوصول إلى الحكم

ولد الرئيس شارل دباس في بيروت يوم 16 نيسان 1885 وهو سليل عائلة من أعيان الروم الأرثوذكس. درس في الجامعة اليسوعية ثم في جامعة باريس، حيث نال شهادة بالحقوق وتزوج من سيدة فرنسية كانت تعمل ممرضة. كما انتسب إلى عشيرة البنائين الأحرار (الماسونية) في باريس، وعاد بعدها إلى لبنان ليعمل في الصحافة والقضاء.

عارض قرار الدولة العثمانية دخول الحرب العالمية الأولى إلى جانب ألمانيا، وكان له تحفّظ على سياسات جمعية الاتحاد والترقي الحاكمة في إسطنبول بعد عام 1908. أمر جمال باشا، أحد أقطاب الاتحاديين، باعتقاله، فهرب شارل دباس إلى مصر وعاش في القاهرة حتى نهاية الحرب العظمى. ثم عاد مجدداً إلى بيروت وعُيّن مديراً للعدلية مع مطلع الانتداب الفرنسي سنة 1920.

وبهذه الصفة، رئيساً للعدلية، شارك دباس في وضع دستور لبنان الأول سنة 1926، الذي أوصله إلى رئاسة الجمهورية. دعا السياسي الماروني أغست أديب لتشكيل أول حكومة في عهده، والتي غابت عنها حقيبتا الدفاع والخارجية بموجب المادة 90 من الدستور اللبناني، وبقيت في يد سلطة الانتداب الفرنسي (كما كان الحال في سورية).

كانت حصة الموارنة من حكومة أغست باشا أديب  ثلاث حقائب (وزارتي المال والداخلية، إضافة لرئاسة الحكومة) وعُيّن وزير كاثوليكي واحد في حقيبة المعارف، وهو يوسف أفتيموس، وأرثوذكسي واحد (نجيب أميوني) في حقيبة الأشغال العامة.

في وجه المعارضة

وقد أعيد انتخاب الرئيس دباس لمدة ثلاث سنوات أخرى سنة 1929، حيث حصل على 42 صوتاً من أصل 44 صوتاً داخل مجلس النواب، وبقيت ورقة بيضاء واحدة وورقة باسم رئيس المجلس محمد الجسر، الذي أراد تثبيت حق المسلمين برئاسة الجمهورية.

ومع قرب انتهاء ولاية الرئيس الثانية سنة 1932، برز ثلاثة مرشحين لخلافته، الأول ماروني، وهو بشارة الخوري (رئيس الحكومة الثانية والرابعة في عهد دباس)، والثاني ماروني أيضاً وهو إميل إدة (رئيس الحكومة الرابعة في العهد)، إضافة للرئيس محمد الجسر.

يُقال إن الفرنسيين تخوّفوا من نجاح الجسر في الوصول إلى رئاسة الجمهورية، فقاموا بحلّ المجلس وتعطيل الدستور، مع فرض تمديد ولاية شارل دباس لمدة سنتين بشكل استثنائي.

وقد شكّل هذا التمديد سابقة خطيرة، ألهمت كل من خلفه بالمنصب وجعلته يفكر بالتمديد، بداية بالرئيس بشارة الخوري سنة 1947 وصولاً للرئيس ميشيل عون اليوم.

وقد شكّل مجلس مديرين برئاسة شارل دباس لإدارة السلطة التنفيذية، بدلاً من مجلس الوزراء، ما أدى إلى توحيد المعارضة ضد الرئيس وعهده.

فقد هبّ من جهة كل من محمد الجسر ورياض الصلح، ممثلين عن السنة، بشارة الخوري وإميل إدة، ممثلين عن الموارنة، يدعمهم البطريرك الماروني من بكركي، مطالبين باستقالة الرئيس. وكانت النتيجة شلّ البلاد وتعطيل المؤسسات الحكومية، ما أدى إلى استقالة رئيس الجمهورية في 2 كانون الثاني 1934.

وقد أكرمه الفرنسيون بتعيينه رئيساً لمجلس النواب حتى تشرين الأول 1934، ليُحال بعدها إلى التقاعد المبكر ويمضي سنواته الأخيرة في فرنسا، حيث توفي عن عمر 50 عاماً في 7 تشرين الثاني 1935. وقد أطلق اسمه على شارع في مار مارون، الذي لا يزال قائماً حتى اليوم في حديقة عامة وسط بيروت.

منجزات العهد

كان عهد دباس لا يختلف عن عهود عدد كبير من رؤساء لبنان، فيه تمديد ولاية وبقاء غير شرعي في الرئاسة، ومن بعدها استقالة مجبرة نزولاً عند رغبة الشارع اللبناني.

ولكن كان فيه أيضاً بعض الإنجازات التي لا يجب إغفالها، مثل وضع نشيد لبنان الوطني، من تأليف الشاعر رشيد نخلة، وصدور مرسوم البكالوريا اللبنانية المنسوخ عن البكالوريا الفرنسية.

كما قام الرئيس دباس بافتتاح المتحف الوطني اللبناني، وأشرف على الإحصاء السكاني سنة 1932 (وهو الأخير في تاريخ لبنان). كما تم تعديل الدستور مرتين في عهده، كانت الأولى سنة 1927، لدمج مجلس الشيوخ مع مجلس النواب، والثانية عام 1929، عند تمديد ولاية رئيس الجمهورية إلى ست سنوات غير قابلة للتمديد.

كما أنشأ الرئيس دباس وزارة مخصصة للشؤون الاقتصادية، بعد الطفرة المالية التي حصلت في بيروت إثر تدفّق رؤوس أموال سورية هاربة من نيران الثورة السورية الكبرى، وقد ذهبت هذه الحقيبة، التي أصبحت اليوم “وزارة الاقتصاد”، للوزير الكاثوليكي جبرائيل منسي.

وقد وضع الشاعر الشعبي الشهير عمر الزعنّي شعراً في عهد الرئيس دباس، فيه كثير من الإنصاف، جاء فيه:

هو يا ناس مسكين الدبّاس…

لا باع بلاده ولا ضر النّاس

خدم أوطانه قدر إمكانه

حسب ضميره وحسب وجدانه

عمل بأصلو وما وظف ناسو

ولا طول إيده ولا عبّا كياس…

كان كفو نظيف وعايش عفيف

وبالنسبة لغيره فضل شريف

إن كان ما نفع ما زاد الوجع والإفلاس

في روح خفية، عالية وقوية…

فوق الوزارة والجمهورية…

بتشدّ الريّس، بتحلّ المجلس…

وبتهد أركانو من الأساس.

 

0 ردود

اترك رداً

تريد المشاركة في هذا النقاش
شارك إن أردت
Feel free to contribute!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *