عز الدين القسام… الشيخ السوري الذي سميت كتائب حماس باسمه
سامي مروان مبيّض (المجلة، 15 تشرين الثاني 2023)
في 21 أكتوبر/تشرين الأول 1935، شيع أهالي فلسطين المجاهد السوري عز الدين القسام واثنين من رفاقه الذين قتلوا قبل يوم واحد في قرية الشيخ زيد التابعة لمحافظة جنين. كان القسام خطيباً مفوها وزعيماً شعبياً يُحضر لثورة مسلحة ومزدوجة ضد الإنكليز واليهود معاً. قُتل في يومها الأول وأثناء معركتها الأولى وهو في الثالثة والخمسين من عمره.
وأوعز السياسي الشاب أكرم زعيتر (الذي أصبح بعد سنوات ممثل فلسطين في جامعة الدول العربية) بأن يتم لف نعشهم بأعلام الدول العربية الثلاث التي لم تكن تقبع تحت أي احتلال أجنبي (السعودية واليمن والعراق) وقد فجّر مقتل القسام ورفاقه موجة من الغضب والمظاهرات ضد الاحتلال البريطاني. كما أضربت مدينة حيفا إضراباً شاملاً، وعدت حادثة استشهاده من الشرارات الرئيسة التي أطلقت الثورة الفلسطينية في أبريل/نيسان 1936. فمن هذا الشيخ السوري الذي ارتبط اسمه اليوم بكتائب مسلحة حملت اسمه وتقود معارك عنيفة في قطاع غزة الآن؟
عند الغزو الإيطالي لليبيا سنة 1911 دعا القسام إلى جهاد مقدس وأرسل عددا من الشباب السوريين للقتال في طرابلس الغرب، كان في مقدمتهم الشيخ الدمشقي عبد القادر كيوان
ولد عز الدين القسام في بلدة جبلة السورية جنوب مدينة اللاذقية سنة 1882م ودرس القرآن الكريم في كتّاب كان يملكه ويديره والده الشيخ عبد القادر. انتقل إلى مصر لإكمال دراسته في الأزهر الشريف، حيث تعرف على المصلح الكبير الشيخ محمد عبده وتأثر به كثيراً. عاد إلى جبلة لخلافة أبيه في الكتاب وعُين إماماً لمسجد المنصوري فيها. وعند الغزو الإيطالي لليبيا سنة 1911 دعا إلى جهاد مقدس وأرسل عدداً من الشباب السوريين للقتال في طرابلس الغرب، كان في مقدمتهم الشيخ الدمشقي عبد القادر كيوان (الذي استشهد لاحقا في مواجهة الفرنسيين في معركة ميسلون). شكل بعدها مجموعات مسلحة في الساحل السوري لمواجهة القوات الفرنسية ومناصرة ثورة عمر البيطار في اللاذقية والشيخ صالح العلي في قرى جبال العلويين. وبعد أشهر من احتلال سورية وفرض الانتداب الفرنسي، صدر قرار باعتقال القسام، فهرب إلى حيفا في ديسمبر/كانون الأول 1920.
وفي موطنه الفلسطيني الجديد – والذي أصبح أبدياً – علّم القسام في مدرسة البرج، ودرّس في جامع الاستقلال. وفي سنة 1928 عين في محكمة حيفا الشرعية وأسس وترأس جمعية شباب المسلمين في فلسطين المتأثرة بالشيخ حسن البنا الذي أسس في مدينة الإسماعيلية بمصر في العام نفسه جماعة الإخوان المسلمين. كل مناصبه الدينية جاءت بموافقة من مفتي القدس الحاج أمين الحسيني، الزعيم الفلسطيني الأوحد في حينها في المجالين السياسي والديني. لم يشعر المفتي بأي حرج من تعيين شيخ سوري في هذه المناصب، ولم يكن القسام – بعكس ما أشيع لاحقاً – يشكل أي تهديد له ولسلطته الدينية في فلسطين. المفتي كان سليل عائلة الحسيني العريقة، بيده مال ونسب وسلطة، لا يضاهيه في الزعامة المحلية إلا راغب بك النشاشيبي، أحد أعيان القدس القدامى ورئيس بلديتها أثناء إقامة القسام في فلسطين.
مشكلة القسام الحقيقية أنه بقي مستقلاً عن عصبية الحسيني والنشاشيبي، وبذلك اعتبروه غريباً عنهم أو دخيلا على مجتمعهم. أتباعه – وكانوا كثراً – كانوا أبناء الطبقات الفقيرة والمسحوقة اجتماعياً، الذين آمنوا به زعيماً روحياً وداعية باسم الإسلام والمسلمين. لم يتمكن من اختراق مجتمع الأعيان والعائلات الفلسطينية الكبرى، ومع ذلك لم يخف اعتراضه على الأساليب السياسية التي اتبعها كل من الحاج أمين وراغب بك، وطالبهما بوقفة الرجل الواحد ضد الإنكليز، عبر حمل السلاح وعسكرة المجتمع الفلسطيني برمته.
عام 1930 حصل على فتوى شرعية من شيخ دمشق بدر الدين الحسني، المحدث الأكبر في بلاد الشام، لإعلان الجهاد المقدس مع النفير العام في فلسطين. البعض قال إن عصبة القسام وصلت إلى 800 مقاتل ولكن هذا الرقم مبالغ فيه
كانت الهجرة اليهودية من أوروبا في أوجها آنذاك، وقد ارتفع عدد المهاجرين اليهود من 175138 عام 1931 إلى 355157 عام 1935. قبل إطلاق ثورة القسام وعصبته، ظهرت مجموعة عفوية باسم “الكف الأخضر،” بزعامة شخص يُدعى أحمد طافش، شنت هجمات متقطعة على مستوطنات صهيونية في أكتوبر/تشرين الأول 1929 وكانت مدعومة من مقاتلين دروز جاءوا من سورية بعد قمع ثورتهم ضد الفرنسيين.
استلهم القسام ثورته من نجاحاتهم المتواضعة، وفي عام 1930 حصل على فتوى شرعية من شيخ دمشق بدر الدين الحسني، المحدث الأكبر في بلاد الشّام، لإعلان الجهاد المقدس مع النفير العام في فلسطين. البعض قال إن عصبة القسام وصلت إلى 800 مقاتل ولكن هذا الرقم مبالغ فيه كثيراً وكان مستبعداً أن يتزعم مجموعة كبيرة بهذا الحجم وهو تحت رقابة مشددة من الإنكليز. وتفيد التقارير البريطانية أن مجموعته كان عددها يتراوح بين 50 و200 مقاتل فقط لا غير، معظمهم من حيفا والقرى المحيطة بها.
عناصر من كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس
أسرّ القسام لصديقه رشيد الحاج إبراهيم في حيفا بأنه ينوي إعلان الجهاد، وأرسل أحد أعوانه، سليم المخزمي، إلى القدس، ليطلب من المفتي مشاركته القتال، ولكن الأخير رفض، وقال إن الظرف السياسي غير مناسب للقيام بثورة. انطلق القسام الحالم مع مجموعة صغيرة من أتباعه إلى كهوف الجبال القريبة من قرية نورس، ومنها انقسموا إلى مجموعتين. ترأس إحداهما بنفسه وكانت مؤلفة من 20-25 مجاهداً، توجه معهم إلى قرية يعبد على الطريق الواصل بين مدينتي طولكرم وجنين. وفي 20 نوفمبر/تشرين الثاني 1935 وقعت المعركة الكبرى والأخيرة بينه وبين الإنكليز التي استمرت ست ساعات واستشهد في نهايتها.
ألهمت حادثة استشهاده الثورة الفلسطينية التي بدأت في أبريل/نيسان 1936 واستمرت لغاية شهر أغسطس/آب عام 1939، وكانت بقيادة أمين الحسيني. ويبدو أنها ألهمت أيضا قادة حماس العسكريين لتأسيس كتائب مسلحة باسمه سنة 1991.
اترك رداً
تريد المشاركة في هذا النقاششارك إن أردت
Feel free to contribute!