ست دقائق

 

 

سامي مروان مبيّض – صحيفة الأهرام (القاهرة 24 شباط 2022).

 

في وطننا العربي مجموعة أساطير وخرافات، منها ما يُنسب عادة إلى منظمة اليونيسكو، بأن المواطن العربي لا يقرأ أكثر من ست دقائق سنوياً. ست دقائق تعنى 1600 كلمة تقريباً، أو أربع كلمات فى اليوم الواحد. الجميع، ومن دون استثناء، يتعاملون مع هذه المعلومة على أنها حقيقة دامغة غير قابلة للنقاش، ولكن أحداً لم يكلف خاطره ويبحث عنها فى دراسات وتقارير اليونيسكو، المتوفرة بكل اللغات على شبكة الإنترنت.

أمضيت أياماً وأنا أبحث فى كل مخرجات اليونيسكو، ويمكنني القول…وبثقة مطلقة…إن هذه النسبة المئوية غير موجودة وأنها لم تصدر عن الأمم المتحدة.

يوجد تقرير لليونيسكو يعود إلى العام 2007، فيه معلومة قريبة، بأن عدد النشاطات اللا صفية للطفل العربي لا تتجاوز الست دقائق سنوياً، بالمقارنة مع 12 ألف دقيقة للطفل الغربي. وقد يكون شخص ما قد حرفها بهذا الشكل الفاضح، إمّا عن جهل، أو سوء نيّة.

ولو نظرنا بعمق إلى المقولة، نجد أنها عرجاء من الأساس لأن منظمة اليونيسكو تكون دقيقة عادة فى تقاريرها، ولكن هنا هي لا تحدد نوعية القراءة التي لا تتجاوز الست دقائق.

هل تشمل تصفح الفيسبوك والتويتر، أم الصحف، أم الكتب فقط؟ وقد أضيف إليها قول مأثور وغير دقيق، يُنسب عادة لرئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين، عند سؤاله ذات يوم، إن كان يخاف من العرب، وكان جوابه: “كلا لا خوف منهم بالمطلق، فنصف سكان العالم العربي لا يقرأ والنصف الآخر لا يفهم ماذا يقرأ.”

لسنا بصدد الدفاع عن القراءة فى الوطن العربي، فهي وبلا أي شك متدنية جدا وقد تراجعت كثيرا عما كانت عليه في النصف الأول من القرن العشرين. علينا ألا ننسى ظروف النشر في عالمنا العربي، التي لا تساعد على القراءة. الناشرون العرب يعانون من رقابة صارمة وطاردة للإبداع، مع ضعف القوة الشرائية لدى القارئ العربي وارتفاع كبير في سعر الورق، ما يزيد من تكلفة الطباعة والنشر. إضافة طبعاً لمصيبة القرصنة، الغائبة عن عالم النشر في الغرب، حيث إن أي كتاب وبعد صدوره بأيام، يتم نسخه وتوزيعه مجانيا بصيغة PDF. وفى ظلّ غياب قانون يحمى حقوق المؤلفين والناشرين، تُصبح هذه النسخة المقرصنة هي الرائجة بين القراء، التي لا تعود باي ربح مادي، لا على الناشر ولا على المؤلف. وهنا يسأل الناشرون: لماذا أنشر، ولمن أنشر؟

بحسب اتحاد الناشرين العرب، فإن الوطن العربي يُصدر 70630 عنواناً جديداً سنوياً، وهو رقم هزيل بالنسبة لأمة شعّت نوراً ومعرفة على العالم كله (في الماضي البعيد) وقد وصل عدد سكانها اليوم إلى 436 مليون نسمة. معظم المؤلفات العربية تكون كتباً دينية أو تاريخية، تتحدث عن الماضي، لا عن المستقبل.

دعونا نقارن بينها وبين منتج البلدان القريبة والبعيدة. جمهورية الصين الشعبية مثلاً، تصدر 440 ألف كتاب جديد سنوياً، عن العلوم والتكنولوجيا الحديثة والاقتصاد، وهو رقم يفوق ناتج الولايات المتحدة الأمريكية (304 ألف عنوان سنوياً). في بريطانيا 188 ألف عنوان جديد كل سنة، تليها روسيا بمئة ألف كتاب.

أما في عالمنا العربي، وبحسب آخر إحصاء، تأتي مصر في المرتبة الأولى (23 ألف كتاب سنوياً)، يليها العراق (8400 كتاب) ومن ثم السعودية (8121 كتاب). ذات يوم، كان لبنان في مقدمة هذه الدول، في ستينيات القرن الماضي، ولكن إنتاجه سنة 2019 لم يتجاوز 7479 كتاب، ومن المؤكد أن هذا الرقم قد تراجع كثيرا في السنوات القليلة الماضية، وفي الدول التي تعاني من حروب، يأتي اليمن في المرتبة الأدنى (495 عنوان سنوياً)، وبعده ليبيا (767) عنواناً، ومن ثم سورية (1050).

هذه الأرقام ليست مرضية، وعليه يجب رفع الراية الحمراء في كل عاصمة عربية، تحذيراً من المستقبل. نحن في حالة تراجع جماعي رهيب، وانهيار على كل المستويات، ولكننا لم نصل بعد إلى معدل الست دقائق من القراءة سنوياً. ربما نكون قريبين منه وياخوفي أن نتجاوزه قريباً، لو بقينا على هذا الحال.

***

 

 

0 ردود

اترك رداً

تريد المشاركة في هذا النقاش
شارك إن أردت
Feel free to contribute!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *