هل تتأثر الدراما العربية بالذكاء الاصطناعي؟
سامي مروان مبيّض – رصيف 22، لندن (26 آذار 2024)
في الحلقة الأولى من مسلسل تاج، للمخرج سامر البرقاوي، والذي بدأ عرضه في أول يوم من أيام شهر رمضان الجاري، ظهرت شخصية الرئيس السوري الأسبق شكري القوتلي على الشاشة، ويقوم بتجسيدها الممثل باسل حيدر. من ينظر إلى ملامحه جيداً يجد أن تغيّراً كبيراً طرأ عليها بواسطة الذكاء الاصطناعي، لتصبح أقرب إلى ملامح الرئيس السوري الراحل.
هي المرة الأولى التي يظهر فيها القوتلي على الشاشة الرمضانية منذ سنة 2005، يوم جُسّدت شخصيته في مسلسل نزار قباني للمخرج باسل الخطيب، وكانت قد ظهرت قبلها، للمرة الأولى على الإطلاق في الدراما التلفزيونية، في مسلسل هجرة القلوب إلى القلوب، للمخرج هيثم حقي.
الذكاء الاصطناعي لم يوظَّف حتى اليوم إلّا في غرافيك المسلسلات، وقد تجلّى ذلك بوضوح في مشاهد الترامواي الذي يشقّ طريقه في شوارع الشّام في مسلسل تاج نفسه. أما اليوم، فقد دُشّنت مرحلة توظيفه درامياً بشكل فعّال وهذا ما سيفتح الأبواب لظهور عدد كبير من الشخصيات العربية المعاصرة على الشاشة مستقبلاً، وتحديداً من لهم أرشيف مرئيّ وصوتيّ وفير يمكن الاستفادة منه للاقتراب أكثر من ملامح الشخص ونبرة صوته، بالإضافة إلى بقية التفاصيل المتعلقة به.
سيُسهّل هذا الأمر مهمة تجسيد الأدوار التاريخية المعاصرة بالنسبة إلى الفنانين العرب، بحيث لم يعد مطلوباً منهم إتقان الشخصية بشكل كامل، كما فعل الفنان الراحل أحمد زكي مع الرئيس جمال عبد الناصر أولاً، ثم مع الرئيس أنور السادات في الفيلمين السينمائيين اللذين تحدثا عن حياتهما. ولكنه يبقي الباب مفتوحاً للاجتهاد بالنسبة إلى الشخصيات العربية والإسلامية القديمة، مثل مؤسس الدولة الأموية معاوية بن أبي سفيان، الذي من المتوقع أن يُعرض مسلسل تلفزيوني كامل عن حياته في الموسم الرمضاني المقبل، وهو من إنتاج MBC.
بدأت الدراما التلفزيونية بإظهار الشخصيات التاريخية العربية المعاصرة منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي، يوم لعب الفنان السوري أسعد فضة دور الفلسطيني عز الدين القسّام في مسلسل كامل عن حياته، من إخراج هيثم حقي أيضاً. كرّت السبحة من يومها بالنسبة إلى الشخصيات المعاصرة، ونذكر منها على سبيل المثال وليس الحصر:
• أم كلثوم: لعبت دورها الفنانة المصرية صابرين في مسلسل أم كلثوم سنة 1999، وظهر الفنان عبد العزيز مخيون بدور محمد عبد الوهاب، والفنان أحمد راتب بدور محمد القصبجي.
• الملك فاروق: لعب دوره الفنان السوري تيم حسن في مسلسل الملك فاروق سنة 2007، وظهرت الفنانة وفاء عامر بدور الملكة نازلي.
• نزار قباني: لعب دوره الفنان تيم حسن في الصغر، وسلوم حداد في الكبر في مسلسل نزار قباني سنة 2005.
• عبد الحليم حافظ: لعب دوره الفنان المصري شادي شامل في مسلسل العندليب سنة 2006، كما ظهر الفنان أيمن عزب بدور محمد عبد الوهاب وجسّد الفنان علي حمدي شخصية الرئيس المصري محمد نجيب.
• سعاد حسني: لعبت دورها الفنانة المصرية منى زكي في مسلسل السندريلا سنة 2006، وظهرت الفنانة غادة رجب بدور نجاة الصغيرة، ولعب الفنان المصري مدحت صالح دور عبد الحليم حافظ.
• جمال عبد الناصر: لعب دوره الفنان المصري مجدي كامل في مسلسل ناصر سنة 2008، وظهر الفنان عاصم نجاتي بدور الرئيس أنور السادات.
• أسمهان: لعبت دورها الفنانة السورية سلاف فواخرجي، في مسلسل أسمهان سنة 2008، وظهر الفنان المصري أحمد شاكر عبد اللطيف بدور فريد الأطرش.
• ليلى مراد: لعبت دورها الفنانة الفلسطينية صفاء سلطان في مسلسل أنا قلبي دليلي سنة 2009.
• حسن البنا: لعب دوره الفنان المصري إياد نصار في مسلسل الجماعة سنة 2010.
• صباح: لعبت دورها الفنانة اللبنانية كارول سماحة في مسلسل الشحرورة سنة 2011، وظهر الفنان المصري إيهاب فهمي بشخصية فريد الأطرش والفنان اللبناني جورج خباز بشخصية الفنان السوري دريد لحام.
• محمود درويش: لعب دوره الفنان السوري فراس إبراهيم في مسلسل في حضرة الغياب سنة 2011، كما ظهر الفنان السوري محمد الشيخ نجيب بشخصية المطرب اللبناني مارسيل خليفة، ولعب الفنان السوري فراس نعناع دور الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات.
هذه الشخصيات كلها كانت قد فارقت الحياة قبل تصوير مسلسل عنها، باستثناء صباح، التي كانت على قيد الحياة عند إنتاج مسلسل عن حياتها سنة 2011، وكذلك نجاة الصغيرة ودريد لحام، وقد شهدوا آخرين يلعبون دورهم على الشاشة وهم أحياء.
وقد وقع القائمون على مسلسل الشحرورة مثلاً في خطأ يوم أظهروا دريد لحام في حياته اليومية وهو يتحدث ويتصرف وكأنه “غوار الطوشة،” دون الفصل بينهما، كما أقيمت دعوات قضائية على بعض الأعمال بحجة أنها لم تُنصف الشخصية التي تحدثت عنها، وهو ما جرى مع ورثة نزار قباني وورثة عبد الحليم حافظ.
تجنّباً للوقوع في مشكلات قضائية من هذا النوع، قرر المنتجون من يومها التعامل مع الشخصيات التاريخية المعاصرة بطريقة ترضي الورثة أكثر مما ترضي الحقيقة والتاريخ، وأظهروها بشكل بعيد عن الواقع، مجبولةً بالخير والطيبة… لا تخطئ، ولا تغضب، ولا تضعف بالمطلق، وكأن تلك الشخصيات من أنصاف الأنبياء لا من بني البشر.
هذه التحديات كلها يمكن تجنّبها اليوم إلى حد بعيد، في حال نجح الذكاء الاصطناعي في تجسيد شخصية شكري القوتلي عبر مسلسل تاج.
***
اترك رداً
تريد المشاركة في هذا النقاششارك إن أردت
Feel free to contribute!