يوميات رجل أنيق جداً
سامي مروان مبيّض (دمشق، 15 كانون الأول 2019)
هذه الصورة ليست مشهداَ من مسلسل تلفزيوني وإنما من شارع أبو رمانة بدمشق في شتاء العام 2019. لا أعرف اسم هذا الرجل الوقور، الذي صوره الصديق المُبدع محمود نويلاتي، ولعله آخر من يرتدي الطربوش في دمشق اليوم. أنا لم أشاهد الطربوش في شوارع المدينة منذ أكثر من عشر سنوات، ولا أخفيكم أني أحبه كثيراً لأنه يُذكرني بجدي وبمن غاب عن عالمنا من أفراد أُسرتي.
لا أعرف إن كان هذا الرجل يضعه على رأسه وقاية من البرد أم من منظر الخراب الذي حلّ في مدينته عبر السنوات. لعله سلاح هدفه العُزلة أو العيش في زمن خاص لا يشبه زمننا الحالي، بعيداً عن كل هذا التشوه الذي تعرضت له دمشق، بصرياً وعمرانياً وأخلاقياً.
أكاد أن أسمعه يقول:
“صباحكم عربي والصلاة على النبي. اليوم نهاري طويل كثير…بدي روح أعطي درس خط بمكتب عنبر ووصل الأولاد على نشاط مسرحي بمدرسة العائدي.”
“بس خليني اشتري الجريدة بالأول. عطيني الأيام والفيحاء والقبس.”
“لازم أحجز بطاقات على حفلة أم كلثوم باللايك. وإذا ما لقيت محلات، مالي غير أخد العيلة عالمعرض ليشوفو فيروز. أول ع منول حضرناها. كانت فرجة!”
“قديش معي مصاري؟ 100 ليرة؟ أي هدول يعملوا وليمة بنادي الشرق. بيكفي وبيزيد.”
“هي الشرطي. يا أفندي، مارة جنازة من هون…الله يرضى عليك لا تنسى تأخدلها تحية. شحّهن المحلات بلشوا يسكروا احتراماً.”
“بركي بأخد ترامواي الشيخ محّي الدين وبحجز بالبريمو…أسرع من المشي.”
“هي صبري بك رايح مشي عالسراي. نهارك مبارك أبو شجاع.”
“خليني أستعجل شوي…للحق اسمع يحيى الشهابي وهو عم يقول عالراديو: هنا دمشق…مسخن كثير دخيل عينو هالأمير.”
“معزوم المسا عالأوريانت بالاس مع الخانم…شو بدي ألبس يا ترى؟ الفراك ولا البدلة البيضا؟“
“خلص النهار، يالله عالبيت على حارة قولي.”
وفي لحظة معينة، لا بد له إلا أن يعود إلى الواقع في دمشق عام 2019, عندما يجد أنه لا يستطيع أن يمشي بشارع أبو رمانة، من كثرة النراجيل والسيارات الواقفة على الرصيف. وعندها، ربما يقول: “يا لطيف…لك شو صار بهالبلد؟” هلق هاد عن جد شارع أبو رمانة؟ والله ما عرفتو…وهي عن جد الشّام؟ والله ما كانت هيك. كانت مثل الفل!”
كل الاحترام لك يا عّم. أطال الله يعمرك وحماك من برد الشتاء وغدر الأيام. لك منا كل المحبة والدعاء.
***
اترك رداً
تريد المشاركة في هذا النقاششارك إن أردت
Feel free to contribute!