سابقات من تاريخ الانتخابات الأميركية… ماذا تعني لترمب؟

سامي مروان مبيّض (المجلة، 19 نيسان 2024)

يرى بعضهم أن الانتخابات الأميركية المقبلة ستؤسس لسابقتين في تاريخها: سابقة أول رئيس سابق يتنافس مع رئيس حالي، وأول رئيس سابق يعود إلى الحكم بعد انقطاع عن البيت الأبيض. وهما مرتبطتان بطموحات دونالد ترمب، وسعيه لهزيمة خصمه الرئيس الحالي جو بايدن في شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، ولو تحقق ذلك فسيكون إنجازاً كبيراً بالنسبة له، ولكن ليس فيه أية سابقة تاريخية، فكل ذلك قد حدث من قبل، في ظروف مختلفة ومع رؤساء مختلفين، ففي نهايات القرن التاسع عشر، خاض الرئيس الديمقراطي غلوفر كليفلاند الانتخابات الرئاسية، عند انتهاء ولايته الأولى (1885-1889)، وهُزم أمام خصمه بنيامين هاريسون. لم تعجبه النتيجة، ورفض تقبلها معلناً عزمه على الثأر، تماما كما حدث مع ترمب قبل أربع سنوات. انتظر كليفلاند أربع سنوات، ورشح نفسه من جديد ضد هاريسون، وانتصر عليه سنة 1893. وهذا ما جعله أول رئيس أميركي يدخل البيت الأبيض بولايتين غير متتاليتين.

غيتي

الرئيس فرانكلين روزفلت سنة 1942

 

ولكنّ عنصر التشابه بين ترمب وكليفلاند ينتهي عند هذا الحد، فالأخير لم تكن لديه أية فضائح، ولا محاكمات مدوية، ولا تقلبات مزاجية، ولا ثورات غضب ضد خصومه وكل من يخالفه الرأي. عُرف كليفلاند بأدبه وخلقه الرفيع، وقد لخص حياته المؤرخ الأميركي آلان نيفنز بالقول: “تكمن عظمة كليفلاند في الصفات النموذجية مع أنها ليست استثنائية، فكان يتمتع بالصدق والشجاعة والحزم والفطرة السليمة، وكلها بدرجة لا يمتلكها الرجال الآخرون”.

محاولة هوفر وفشله

ثم جاءت تجربة الرئيس هربرت هوفر ما بين 1929 و1933 الذي كان مثل دونالد ترمب جمهورياً متعصباً لحزبه، ومثله أيضاً ثرياً قبل دخوله البيت الأبيض. وقد جمع ثروته الطائلة من عمله في المناجم، مستثمراً ومستشاراً، ولكنه هُزم في انتخابات عام 1932، عاد ليرشح نفسه ثانية سنة 1940، ورأى أنه أصغر من أن يعتزل الشأن العام وهو في الثامنة والخمسين من عمره، فترشح للرئاسة بعد ثماني سنوات من قضاء مدته الأولى وخسر، فتقبل النتيجة هذه المرة، وانصرف لكتابة مذكراته. وعندما عرض عليه الرئيس جون كينيدي مناصب مختلفة مطلع الستينات، رفضها كلها قبل وفاته سنة 1964.

خاض الرئيس الديمقراطي غلوفر كليفلاند الانتخابات الرئاسية، عند انتهاء ولايته الأولى (1885-1889)، وهُزم أمام خصمه بنيامين هاريسون. لم تعجبه النتيجة، ورفض تقبلها

 

 

في فبراير/شباط 1951، صدر التعديل الثاني والعشرون للدستور الأميركي، الذي حدد المدة الرئاسية بدورتين متتاليتين يُمنع تجديدها مرة ثالثة. وحده الرئيس فرانكلين روزفلت كان استثناء من هذه القاعدة، فقد جُدد له لأربع دورات متتالية، للمرة الأولى والأخيرة في التاريخ الأميركي. خدم منذ مارس/آذار 1933 ولغاية وفاته في 12 أبريل/نيسان 1945.

عصر الرئيس روزفلت

كانت وفاته في الشهر الثالث من ولايته الرابعة، أي إنه سكن البيت الأبيض 12 سنة وثلاثة أشهر متتالية. ويعود هذا الاستثناء إلى دوره المحوري في قيادة البلاد، ابتداء من الكساد الكبير وصولاً إلى الحرب العالمية الثانية، بعد دخول أميركا الحرب في ديسمبر/كانون الأول 1941. تمكن روزفلت من قلب الموازين العسكرية في أوروبا لصالح الحلفاء، وتوفي قبل أسبوعين من وفاة عدويه اللدودين: الزعيم الإيطالي بنيتو موسوليني الذي قُتل في 28 أبريل 1945، ونظيره الألماني أدولف هتلر الذي انتحر في 30 أبريل 1945.

جميعهم تعلموا من جورج واشنطن

قبل روزفلت لم يفكر أحد من الرؤساء الأميركيين في ولاية ثالثة، متبعين خطى الرئيس المؤسس جورج واشنطن. عند انتهاء ولايته الثانية سنة 1796 رفض واشنطن التجديد، ورأى أن ولايتين تكفيان أي رئيس، ما كرس عُرفاً غير مكتوب لم يخالفه أحد إلا فرانكلين روزفلت. في سنة 1799 أرسل حاكم ولاية كونيتيكت جوناثان ترمبول – وهو سكرتير سابق لجورج واشنطن – برقية إلى رئيسه يشجعه فيها على الترشح للرئاسة مرة ثالثة.

شترستوك

الرئيس الأميركي الأول جورج واشنطن في لوحة للرسام غيلبرت ستيوراتقال ترمبول: “الانتخابات الرئاسية قريبة، ولدي ثقة أنه في حال ذكر اسمك مجدداً، فإنك لن تُخيب آمال الحكماء والصالحين في هذا البلد ورغبتهم.” مع ذلك بقي واشنطن متمسكا بقراره، وكانت رغبته في أن يكون قدوة للآخرين في تعففه عن المنصب، علماً أن خلفه الرئيس يوليسيس غرانت – وهو من أبطال الحرب الأهلية الأميركية – كان قد فكر جدياً في ولاية ثالثة سنة 1877 ولكن الحزب الجمهوري لم يُعطه ما يكفي من الأصوات للترشح، فبدلاً من العودة إلى البيت الأبيض قرر السفر في رحلة عالمية استغرقت سنتين كاملتين.

أما في العصر الحديث، فقد فكر رونالد ريغان جدياً في تعيين الرئيس الأسبق جيرالد فورد حليفاً مشاركاً في انتخابات عام 1980، على أن يكون نائباً له في حال فوز ريغان بالرئاسة. لو قبل فورد العرض لعاد إلى مكتب نائب الرئيس، الذي خرج منه إلى المكتب البيضاوي عند استقالة الرئيس ريتشارد نيكسون سنة 1974. ولكنه رفض، ولم يرغب في العودة إلى المرتبة الثانية بعد أن عمل في الأولى قرابة ثلاث سنوات، بين 1974 و1977.

ترمب والتعديل رقم 22

لا أحد يعلم بالتحديد إن كان دونالد ترمب سيفوز بولاية ثانية، علماً أن آخر استطلاع لمؤسسة يوغوف (YouGov) في شهر أبريل الجاري يُفيد بأن 17 في المئة من الشعب الأميركي غير راض عن ترشيحه أو ترشيح الرئيس جو بايدن. وفي حال فوز ترمب فهو لا يخفي عن أحد أنه يطمح لولاية ثالثة، وأنه يرغب جدياً في نسف التعديل رقم 22 للدستور الأميركي. قبله حاول كثيرون فعل ذلك، مثل الرئيس هاري ترومان الذي وصفه بالتشريع “الغبي” بينما حاول أعضاء الكونغرس تعديله سنة 1956، دون أن ينجحوا. عاود رونالد ريغان المحاولة سنة 1989 وقال: إن التعديل رقم 22 مخالف لحقوق الشعب الديمقراطية، وتكررت المحاولات حتى بلغت 54 محاولة، جميعها لم تنجح.

 

قبل روزفلت لم يفكر أحد من الرؤساء الأميركيين في ولاية ثالثة، متبعين خطى الرئيس المؤسس جورج واشنطن

 

 

وفي نوفمبر 2000، قال الرئيس بيل كلنتون إنه لا يُمانع بقاء الحد قائماً على الولايات الرئاسية المتتالية، ولكن يجب أن لا يشمل ذلك رغبة أي رئيس في العودة إلى الحكم بعد قضاء أربع سنوات كاملة خارج البيت الأبيض. أما دونالد ترمب فقد هاجم التعديل رقم 22 أكثر من مرة وفي مناسبات مختلفة، وفي إحدى المناسبات الرسمية في البيت الأبيض في شهر أبريل من سنة 2019 قال جهاراً إنه يرغب في البقاء بالحكم 10-14 سنة. قد يحصل على أربع سنوات إضافية في حال فوزه في الانتخابات المقبلة، ولكي يتحقق حلمه عليه تحصيل ما بين 4-6 سنوات.

وبعدها في يونيو/حزيران كتب على حسابه في موقع تويتر (X اليوم): “بعد أن أعدت أميركا إلى عظمتها، سأغادر البيت الأبيض الجميل، ولكن هل سيطالبني الناس بالبقاء بعد أن أعدت العظمة إلى أميركا؟” وكان قبلها قد تحدث عن نظيره الصيني الرئيس شي جين بينغ، وقال: “هو رئيس مدى الحياة. رئيس مدى الحياة، وهو رجل ممتاز، وتمكن من فعل ذلك، أظنه قراراً ممتازاً، وربما يمكننا المحاولة هنا في يوم من الأيام.”
بعضهم ظن أنه كان يمزح، ولكن دونالد ترمب كان في منتهى الجدية.

***

0 ردود

اترك رداً

تريد المشاركة في هذا النقاش
شارك إن أردت
Feel free to contribute!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *