دمشق قديمة جديدة
سامي مروان مبيّض (دمشق، 15 تشرين الأول 2022)
وقع تحت يدي مؤخّراً كتاب ممتع عن مدينة دمشق الحديثة، حمل عنوان دمشق قديمة جديدة للمؤلّفة كريستي سلامندرا. صدر الكتاب قبل حوالي عشرين سنة، وفيه تتحدّث الكاتبة بإسهاب عن موضوع المطاعم في حارات دمشق القديمة، التي بدأت تظهر في مطلع التسعينيّات، وعدّته أمراً غريباً عجيباً، لا يشبه أهل المدينة بالمطلق.
الدمشقيّون، بحسب تعبيرها، لا يعرفون عبر تاريخهم الطويل فكرة الخروج من البيت لتناول الطعام في “مطعم”. فكرة المطاعم بحدّ ذاتها دخيلة نسبيّاً على المجتمع، بدأت في النصف الأوّل من القرن العشرين، وكانت محصورة بداية في الفنادق أو في معرض دمشق الدوليّ (مطعم الشرق). المطاعم كانت للغرباء فقط، لضيوف المدينة والسيّاح، لا يدخلها ابن البلد إلّا نادراً، وكانت محصورة بالرجال.
كلام الكاتبة الأميركيّة ذكّرني بعلامات الاستهجان التي كانت تظهر على وجه شقيقات جدّي، كلّما سمعن أنّي خارج إلى مطعم في تسعينيّات القرن الماضي. “يا بني كلّك لقمة نظيفة هون بالبيت…حدا بياكل بالسوق إذا عندو طبخ بالبيت؟” أبناء جيلنا ومن هم أكبر منّا يعرفون هذه العبارة جيّداً. أكل البيت كان أنظف وأفضل و”أرخص”. ربّما يعود هذا العرف إلى تخوّف أجدادنا من الأمراض والأوبئة، وفي مقدّمتها الكوليرا التي فتكت بالكثير منهم، أو إلى أسباب اقتصاديّة بحتة، حرصاً على مدّخراتهم وليس من باب “البخل.” وقد يكون من باب الأعراف والتقاليد، فالرجال كانوا عادة يخرجون من البيت للجلوس في المقاهي، إمّا للعب طاولة الزهر أو للتحدّث مع الأصدقاء، وليس لتناول وجبة غداء أو عشاء أمام الناس في مطعم.
عاد كلامها إلى ذهني بعد جولة سريعة قمت بها قبل أيام في الحارات المحيطة بحمّام البكري. على مدّ عيني والنظر، لم أرَ إلّا مطاعم ومقاهي، ليس فيها أيّ ابتكار أو جديد، ولا تختلف عن بعضها في شيء إلّا بقائمة الأسعار. يقول المثل القديم” الزايد أخو الناقص،” وقد شوّهت كثرة هذه المطاعم والمقاهي المناطق السكنيّة تشويهاً كاملاً، وحوّلت الإقامة فيها إلى كابوس يوميّ. أدعو الكاتبة الأميركية التي استغربت مطاعم دمشق التسعينيات أن تزورها اليوم، وترى كيف أصبحت الآن.
***
اترك رداً
تريد المشاركة في هذا النقاششارك إن أردت
Feel free to contribute!