من دَخَلَ دار أبي سُفيان
سامي مروان مبيّض (دمشق، 18 تشرين الأول 2020)
قبل تسعين سنة صدر كتاب عن الحجاب والسفور، لمؤلفة شابه تُدعى نظيرة زين الدين. تحدّت فيه مجتمع المشايخ يومها ووصفت الحجاب بالبدعة، كما اعتبرت أن المجتمعات العربية “المُتحجبة” كانت أكثر تخلّفاً من المجتمعات الغربية “السافرة.” وقد طالبت بنزع الحجاب وسحب السلطة من رجال الدين ومن المحاكم الشرعية.
ماذا كان الرد؟
مفتي الديار الشامية في حينها الشيخ عطا الله الكسم أرسل نُسخة من القرآن الكريم هديّة للمؤلفة، وطالبها بقراءته بتمعن قبل الخوض بهذه الأمور. ولكنه سمح بتداول الكتاب في مكتبات دِمَشق كافة وطباعة طبعة جديدة منه، قائلاً: “ديننا أكبر من أن تؤثر عليه فتاة عشرينية…لا مانع من التداول والنشر.”
وعندما طَلب منه بعض المريدين تكفير الكاتبة وتسيّر مظاهرات ضدها، رفض الشيخ الكسم ذلك بشدة قائلاً: “علينا الاهتمام بتوزيع الزكاة وإدارة الأوقاف والمدارس والعناية بالجوامع ومحاربة الانتداب الفرنسي. لا وقت عندنا لصغائر الأمور.”
أذكر هذه القصة في ظلّ الجدل الكبير الحاصل اليوم حول جريمة اغتيال وقطع رأس مُدرّس فرنسي قام بعرض صور كارتونية مُسيئة للرسول (ص) مأخوذة من مجلّة “شارلي أيبدو.” ظنّ الفتى القاتل أنه ينصر الإسلام في فعلته الشنيعة، متناسياً كلّ ما تعرض له النبيّ ذاته عندما باشر بالدعوة، حيث أهين من قبل أهالي مكة وتعرض لأبشع أنواع المُضايقات، اللفظية منها والجسدية، ولكنه سامح أهله بعد العودة وردد عبارته الشهيرة: “من أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل دار أبي سُفيان فهو آمن.”
القاتل الشاب لا يُمثل دين محمّد (ص) والضحية لا يُمثل المسيحيين. دماؤهم في رقبة كلّ من روّج لتلك الرسومات التي استفزت مشاعر ملايين الناس، وفي رقبة كلّ رجل دين قال للمُجرم إنه سوف يصعد إلى السماء لو نجح في قطع رأس ذلك المُدرّس الفرنسي. ونحن نتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية، لأننا فشلنا بالدفاع عن أنفسنا أمام كلّ هذا التشويه المُمنهج الذي تعرض له الإسلام حلال العقود الماضية، لا بل كنّا شركاء فيه. لم نقل إن قطع الرؤوس وضرب الدفوف لا يُمثلنا، وأن دين محمد بريء من هذه التصرفات. وقد سمحنا لأشخاص مشبوهين مثل أسامة بن لادن وأبو بكر البغدادي أن يسرقوا دين محمّد منّا ويعيدون تصديره إلى الغرب بهذه الطريقة البشعة.
لو كان الشيخ الكسم حيّاً لقال: “هؤلاء يقولون إن تلك الرسومات تُمثل الرسول ونحن نقول إنها لا تُمثله بالمطلق. نقطة، انتهى النقاش. عودوا إلى ما هو أنفع وأضر لكم ولأمتكم.”
***
اترك رداً
تريد المشاركة في هذا النقاششارك إن أردت
Feel free to contribute!