ذكريات الدكتور مروان محاسني
سامي مروان مبيّض (دمشق، 21 آذار 2022)
استيقظ مروان محاسني على طرق عنيف على باب منزل أبيه، القاضي فؤاد محاسني. فتح الباب ووجد سيدة تبكي بحرقة قلب، قالت له: “وينه أبوك؟“
عرف فوراً، إنها “ليلى خانم،” زوجة الرئيس خالد العظم، صديق أبيه الحميم.
“الوالد نايم…”
“فيقو قوام…أخذوا خالد.”
كان ذلك في الساعات الأولى من يوم 29 آذار 1949، يوم انقلاب حسني الزعيم.
دخل الولد على أبيه وقال له أن مجهولين اقتادوا الرئيس العظم من داره، إلى مكان مجهول. نهض فؤاد محاسني من الفراش، وذهب برفقة ابنه الشاب إلى منزل أمين عام القصر الجمهوري الدكتور محسن البرازي، للاستفسار عن مصير خالد العظم ورئيس الجمهورية شكري القوتلي.=
كانت هذه القصة عزيزة على قلب مروان محاسني، وكان يرددها أمامي باستمرار. “كانت هذه هي مساهمتي عشية انقلاب الزعيم: إيقاظ محسن البرازي من النوم والبحث عن خالد العظم.”
“بعد تخرجي من مدرسة الفرير، كنت أخرج من بيتي وأركب ترامواي المهاجرين للذهاب إلى دروسي في جامعة دمشق، بعد التحاقي بكلية الطب. في كل صباح، كنت أرمي السلام على المرحوم فارس الخوري، الجالس جنبي في الترامواي.”
وكانت علاقة مروان محاسني قوية بالرئيس الخوري، حيث كان يشارك في مظاهرات دمشق ضد الانتداب الفرنسي، تحت رايته وراية قادة الكتلة الوطنية.
“كنّا تهرب من جنود السنغال، وكثيراً ما كانوا يضربونا بأعقاب البنادق، ويأخذونا مخفورين إلى كركون الشيخ حسن.”
ودارت الأيام، وصار ضيفاً على مائدته في بلودان، يجتمع مع فارس الخوري بشكل دوري و بنائب دمشق وزعيمها فخري البارودي، للتباحث بالطب والفلسفة والسياسة.
تأثر مروان محاسني كثيراً بالبروفيسور قسطنطين زريق، رئيس جامعة دمشق في مطلع الخمسينيات، الذي أعجب بلغته الفرنسية الصافية، وتمكنه المتين من الإنجليزية.
وقد عمل تحت إشراف الدكتور زريق على فتح فرع لجمعية العروة الوثقى في حرم جامعة دمشق، التي كانت قد ظهرت في جامعة بيروت الأميركية خلال الحرب العالمية الأولى. كان الهدف منها “ممارسة الخطابة والكتابة باللغة العربية الفصحى.”
وكان بين أعضاء فرع دمشق من الجمعية الطلبة الدكتور نادر توكل والدكتور بسام الصواف والأستاذة أديبة الصبان والدكتور أحمد الفحّام والأستاذة بشرى الكسم والدكتور أنور التيناوي، وقد عملوا مع مروان محاسني على تفعيل الشعور القومي في الجامعة وتنظيم محاضرات في المناسبات الوطنية. والتحق بهم عدد من طلاب كلية الحقوق، وكان الدكتور مروان يتذكر منهم جودت البارودي وممدوح رحمون ورشيد البارودي وعمر الرباط ورشاد الجنان ووليد الكزبري.
حصل الدكتور محاسني على شهادة اختصاص في الجراحة من جامعة باريس سنة 1955، وعمل مدرساً في جامعة دمشق حتى سنة 1979. عيّن رئيساً لقسم الجراحة بدمشق سنة 1974، وكان رئيساً لنفس القسم في جامعة الملك عبد العزيز في جدة خلال السنوات 1980-1991. ومن 1991 ولغاية 2001، عمل مديراً للتعليم الطبي في مستشفى الملك عبد العزيز. انتخب رئيساً لمجمع اللغة العربية بدمشق سنة 2008، خلفاً للدكتور شاكر الفحام، وغضواً مؤسساً للمجلس العربي للاختصاصات الطبية (البورد العربي) منذ عام 1975.
وقد شرفنا في نهاية حياته برئاسة مجلس حكماء مؤسسة تاريخ دمشق، خلفاً للقاضي في محكمة العدل الدولية، عبد الله بك الخاني، وهو صديقه منذ أيام الطفولة، الذي سبقه إلى دار الخلود في نهاية عام 2020.
وكان آخر ظهور له في عشاء أقامته مؤسسة تاريخ دمشق في فندق الشيراتون في نهاية شهر أيلول الماضي، حيث وقف خطيباً عن تاريخ دمشق. وقد كان لي شرف تقديمه للحضور، وتقليده وسام المؤسسة. قبل الحفل سألته: “مروان بك…كيف تُحب أن عرف على حضرتك؟ طبيب جراج؟ أو رئيس مجمع اللغة؟ أو أستاذ جامعي؟“
أجاب مبتسماً: “الشامي العتيق، هذا هو اللقب الأقرب إلى قلبي.”
وداعاً أيها الشامي العتيق، كنت علماً وعالماً ومُعلّماً، وكان لك أيادي بيضاء على سورية وأهلها، ستبقى حاضرة في ذاكرة لأجيال وأجيال.
***
اترك رداً
تريد المشاركة في هذا النقاششارك إن أردت
Feel free to contribute!